ولو رمى فوقعت الحصاة في غير المرمى واستقرت، لم تجزئه، وإن طارت فوقعت في المرمى أجزأته؛ لأنها حصلت فيه برميه، وإن وقعت على ثوب إنسان أو محمله، ثم طارت إلى المرمى أجزأته، وإن رماها الإنسان عن ثوبه، أو وقعت بحركة المحمل، لم تجزئه؛ لأنها لم تصل برميه، وإن رماها من مكان عال فتدحرجت إلى المرمى، أجزأته لأنها حصلت فيه بفعله، وإن وقعت في غير المرمى، فأطارت أخرى إلى المرمى، لم تجزئه؛ لأن التي رماها لم تصل.
وإذا فرغ من الرمي انصرف، ولم يقف؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقف عندها، فإن أخر الرمي إلى المساء، رمى ولا شيء عليه، لما روى ابن عباس قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يسأل بمنى قال رجل: رميت بعدما أمسيت. فقال: لا حرج» رواه البخاري، فإن لم يرم حتى جاء الليل لم يرم، وأخره إلى غد بعد الزوال؛ لأن ابن عمر قال ذلك.
فصل:
ثم ينصرف فيذبح هدياً إن كان معه، وإن كان واجباً عليه، ولا هدي معه، اشتراه فذبحه؛ لقول جابر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثاً وستين بدنة بيده» ، ويسن أن ينحر بيده، لهذا الحديث، ويجوز أن يستنيب فيه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى علياً فنحر ما غبر. وحد منى ما بين العقبة وبطن محسر، فحيث نحر منها أو من الحرم أجزأه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل منى منحر، وكل فجاج مكة منحر وطريق» .
فصل:
ثم يحلق رأسه، ويستحب أن يكبر عند حلقه؛ لأنه نسك، ويستقبل القبلة، ويبدأ بشقه الأيمن لما روى أنس «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعا بالحلاق، فأخذ بشق رأسه الأيمن، فحلقه ثم الأيسر» . رواه أبو داود. ويجوز أن يقصر من شعره، إلا أن أحمد قال: من لبد رأسه أو عقص أو ظفر، فليحلق؛ لأن عمر وابنه أمرا من لبد رأسه أن يحلق. ويروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من لبد فليحلق» فأما غير هؤلاء فيجزئهم التقصير بالإجماع، والحلق أفضل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حلق وقال: «اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله والمقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله والمقصرين؟ قال في الرابعة: والمقصرين» .
والمرأة تقصر، ولا تحلق؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «ليس على النساء حلق، إنما على النساء تقصير» رواه أبو داود. ولأن الحلق في حقها مثله، فلم يكن مشروعاً.