الثالث: أن يكون مباحاً، فلا يحرم قتل غيره بالإحرام ولا جزاء فيه؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خمس من الدواب ليس على المحرم جناح في قتلهن: الحدأة والغراب والعقرب والفأرة والكلب العقور» متفق عليه. فثبت إباحة هذه الخمس بالنص، وقسنا عليهن ما في معناهن مما فيه أذى، فأما غير المأكول مما لا أذى فيه، فيكره قتله ولا جزاء فيه؛ لأن الصيد ما كان مأكولاً، إلا أن ما تولد بين مأكول وغيره، كالسمع وهو ولد الضبع من الذئب، والعسبار: ولد الذئبة من الضبع، يحرم قتله وفيه الجزاء تغليباً لحرمة القتل، كما غلبت فيه حرمة الأكل. والمتولد بين أهلي ووحشي يحرم قتله وفيه الجزاء تغليباً للتحريم، وفي الثعلب الجزاء، مع الخلاف في أكله، تغليباً للتحريم، وفي القمل روايتان:
إحداهما: لا شيء فيه لتحريم أكله وأذاه فهو كالبراغيث.
والثانية: فيه الجزاء لأنه يترفه بإزالته، وأي شيء تصدق به كان خيراً منه. قال القاضي: وإنما الروايتان في ما ألقاه من شعره، أما ما ألقاه من ظاهر بدنه أو ثوبه، فلا شيء فيه رواية واحدة لشبهه بالبراغيث.
فصل:
وما حرم من الصيد، حرم كسر بيضه؛ لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه «قال في بيض النعام، يصيبه المحرم: يضمنه» رواه الدارقطني. ولأنه خارج من الصيد يصير منه مثله فهو كالفرخ، وإن كسر بيضاً لم يحل أكله، ولا يحرم على حلال؛ لأنه لا يحتاج إلى زكاة. وقال القاضي: يحرم على كل أحد قياساً على الصيد، وإن كسر بيضاً مذراً فلا شيء عليه؛ لأنه ليس بحيوان ولا يخلق منه حيوان فهو كالأحجار، قال أصحابنا: إلا بيض النعام فإن لقشره قيمة، والأول أولى. وإن نقل بيض صيد فجعله تحت آخر فحضنه وأفرخ، فلا شيء عليه، وكذلك إن كسره فخرج منه فراخ فعاشت، وإن لم تعش الفراخ أو لم تحضنه، أو ترك مع بيضه شيئاً نفر من الصيد فلم يحضنه، ضمنه؛ لأنه أتلفه، وإن باض في طريقه أو على فراشه، فنقله فلم يحضنه الصيد حتى تلف ففيه وجهان:
أحدهما: يضمنه؛ لأنه أتلفه لمصلحته فأشبه ما لو قتله للمجاعة.
والثاني: لا شيء عليه؛ لأنه ألجأه إلى إتلافه فأشبه ما لو صال عليه صيد فدفعه فقتله، وإن افترش الجراد في طريقه فقتله بالمشي عليه ففي الجزاء وجهان كذلك.
فصل:
وإن احتاج المحرم إلى لبس المخيط، أو تغطية رأسه، أو الطيب لمرض، أو شدة