وقوله: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96] . فإن أخذه لم يملكه؛ لأن ما حرم لحق غيره؛ لم يملكه بالأخذ من غير إذنه، كمال غيره، وعليه إرساله من موضع يمتنع فيه، فإن تلف من يده ضمنه كمال الآدمي، وإن كان الصيد لآدمي، فعليه رده إليه؛ لأنه غصبه منه، ويحرم عليه تنفيره؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مكة: «لا ينفر صيدها» متفق عليه. وهذا في معناه، فإن نفره، فصار إلى شيء هلك به، ضمنه؛ لخبر عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ولأنه هلك بسبب من جهته، فأشبه من نصب له شركاً فهلك به. ويحرم عليه الإعانة على قتله، بدلالة، بقول أو إشارة، أو إعارة آلة؛ لما «روى أبو قتادة أنه كان مع أصحاب له، محرمين وهو لم يحرم، فأبصرو حماراً وحشياً، وأنا مشغول أخصف نعلي، فلم يؤذنوني به، وأحبوا لو أني أبصرته، فركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح، قالوا: والله لا نعينك عليه» . وهذا يدل على اعتقادهم تحريم الإعانة عليه، ولما سألوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «هل منكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ قالوا: لا، قال: فكلوا ما بقي من لحمها» متفق عليه. ولأن ما حرم قتله حرمت الإعانة عليه، كالآدمي، فإن فعل فقتله حلال فالجزاء على المحرم؛ لأن ذلك يروى عن علي وابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ولأن فعله سبب إتلافه، فتعلق به الضمان كتنفيره، وإن قتله محرم آخر، فالجزاء بينهما، وإن كان المدلول رأى الصيد قبل الدلالة، فلا شيء فيها؛ لأنها لم تكن سبباً لإتلافه، وإن ضحك المحرم عند رؤية الصيد ففطن الحلال، فلا شيء فيه؛ لأن في حديث أبي قتادة: «فبينا أنا مع أصحابي فضحك بعضهم، فنظرت فإذا حمار وحش» .
وفي رواية: «إذ أبصرت بأصحابي يتراؤون شيئاً فنظرت فإذا حمار وحش» ، ويحرم عليه الأكل مما أشار عليه أو أعان عليه، أو كان له أثر في ذبحه، مثل أن يعيره سكيناً؛ لحديث أبي قتادة، ويحرم عليه أكل ما صاده، أو صيد لأجله؛ لما روى جابر قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «صيد البر لكم حلال، ما لم تصيدوه أو يصاد لكم» قال الترمذي: هذا أحسن حديث في الباب. ويباح أكل ما عدا ذلك للحديثين، فإن أكل مما منع من أكله مما لزمه ضمانه كالذي صاده، أو دل عليه؛ لم يضمنه بالأكل لأنه قد ضمنه بالقتل، فلم يضمنه بالأكل كشاة غيره، وكذلك إن وجب على غيره ضمانة، وإن لم يكن ضمن بالقتل، كالذي صاده حلال من أجله، ضمنه بالأكل بمثله لحماً؛ لأنه إتلاف جزء للصيد، حرمه الإحرام، فتعلق به الضمان، كإتلاف أجزاء الحي، وإن ذبح المحرم الصيد، حرم على كل أحد؛ لأنه منع من الذبح لحق الله، فلم يبح ذبحه كالمجوسي، وما حرم عليه لدلالة، أو إعارة آلة، أو صيد من أجله؛ لم يحرم على الحلال؛ لأن لا فعل منه فيه.