فصل:

ويؤمر الساعي بتفريق الصدقة في بلدها، لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لمعاذ: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» . ولا يجوز نقلها عنهم إلى بلد تقصر فيه الصلاة لذلك، ولأن نقلها عنهم يفضي إلى ضياع فقرائهم، فإن نقلها رب المال ففيه روايتان:

إحداهما: لا يجزئه؛ لأنه حق واجب لأصناف بلد، فلم يجزئ إعطاؤه لغيرهم كالوصية لأصناف بلد.

والأخرى: يجزئه؛ لأنهم من أهل الصدقات، فإن استغنى عنها أهل بلدها جاز نقلها، لما روي أن معاذاً بعث إلى عمر صدقة من اليمن، فأنكر عمر ذلك وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس وترد في فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحداً يأخذه مني. رواه أبو عبيد في كتاب الأموال. فإن كان مال الرجل غائباً عنه زكاه في بلد المال، فإن كان متفرقاً زكى كل مال حيث هو، فإن كان نصاباً من السائمة ففيه وجهان:

أحدهما: يلزمه في كل بلد من الرفض بقدر ما فيه من المال، لئلا تنقل زكاته إلى غير بلده.

والثاني: يجزئه الإخراج في بعضها، لئلا يفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان. وإن كان ماله تجارة يسافر به. قال أحمد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه.

وعنه: يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في هذا. وقال القاضي: يخرج زكاته حيث حال حوله؛ لأن المنع من هذا يفضي إلى تأخير الزكاة. وإن كان ماله في بادية، فرق زكاته في أقرب البلاد إليها.

فصل:

إذا احتاج الساعي إلى نقل الصدقة استحب أن يسم الماشية؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يسمها، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لتمييزها عن غنم الجزية والضوال، ولترد إلى مواضعها إذا شردت، ويسم الإبل والبقر في أصول أفخاذها؛ لأنه موضع صلب يقل ألم الوسم فيه، وهو قليل الشعر فتظهر السمة ويسم الغنم في آذانها، فيكتب عليها: لله أو زكاة. وإن وقف من الماشية في الطريق شيء، أو خاف هلاكه جاز بيعه؛ لأنه موضع ضرورة، وإن باع لغير ذلك فقال القاضي: البيع باطل وعليه الضمان؛ لأنه متصرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015