كان ذلك حداً لله تعالى، لم يستوف؛ لأنه يدرأ بالشبهات ولا مطالب به، وهذه شبهة، وإن كان مالاً، استوفي؛ لأن الحكم قد تم، وثبت الاستحقاق بأمر ظاهر الصحة، فلا نبطله بأمر محتمل، وإن كان حد قذف، أو قصاص، ففيه وجهان: أحدهما: يستوفى؛ لأنه حق آدمي له مطالب، فأشبه المال.

والثاني: لا يستوفى؛ لأنه عقوبة على البدن، تدرأ بالشبهات، أشبه الحد، فأما إن أديا الشهادة وهما من أهلها، ثم ماتا قبل الحكم بها، أو جنا، أو أغمي عليهما، حكم بها؛ لأن ذلك لا يؤثر في شهادتهما، فلا يدل على الكذب فيها.

[باب عدد الشهود]

والحقوق تنقسم ستة أقسام؛ أحدها: ما لا يكفي فيه إلا أربعة شهداء وهو الزنا؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] .

واللواط زناً، فلا يقبل فيه إلا أربعة كذلك، ولأنه فاحشة، بدليل قول الله تعالى لقوم لوط: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [الأعراف: 80] ، فيعتبر فيه الأربعة؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: 15] ، فأما إتيان البهيمة، فإن قلنا: يجب به الحد، فهو كالزنا في الشهادة؛ لأنه فاحشة موجبة للحد، فأشبه الزنا، وإن قلنا: الواجب به التعزير، ففيه وجهان: أحدهما: يعتبر فيه الأربعة؛ لأنه فاحشة.

والثاني: يثبت بشاهدين؛ لأنه لا يوجب الحد، فأشبه قبلة الأجنبية، وفي الإقرار بالزنا، وجهان: أحدهما: تعتبر له الأربعة؛ لأنه سبب يثبت به الزنا، فاعتبر فيه أربعة، كالشهادة.

والثاني: يثبت بشاهدين؛ لأنه إقرار، فثبت بشاهدين، كسائر الأقارير، وإن كان المقر أعجمياً، ففي الترجمة وجهان، كالشهادة على الإقرار، فأما المباشرة دون الفرج، وسائر ما يوجب التعزير، فيكتفى فيه بشاهدين؛ لأنه ليس بزنا موجب للحد، فأشبه ظلم الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015