فصل
الثاني: سائر العقوبات كالقصاص وسائر الحدود، فلا يقبل فيه إلا شهادة رجلين، لما روي عن الزهري قال: «جرت السنة، من عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ألا تقبل شهادة النساء في الحدود،» ولأنها عقوبة مشروعة، فلا يقبل فيها إلا شهادة الرجال الأحرار، كحد الزنا، وسواء كان القصاص في النفس، أو ما دونها، كالموضحة، والأطراف،، فأما جنايات العمد التي لا توجب القصاص، كالجائفة، والمأمومة، وجناية الأب، فقال الخرقي: يقبل فيه رجل وامرأتان، أو رجل ويمين، وهذا ظاهر المذهب؛ لأنه لا يوجب إلا المال، فأشبه البيع، وقال ابن أبي موسى: فيه روايتان: إحداهما: كما ذكرنا.
والثانية: لا يقبل إلا رجلان، قال: وهذا اختياري، وهو قول أبي بكر؛ لأنه جناية عمد، فأشبه الموضحة، وقيل: يقبل في الجائفة؛ لأنها لا توجب قصاصاً بحال، ولا يقبل في المأمومة وشبهها؛ لأنها لا توجب القود في الموضحة، ومن قال بالأول، لم يوجب القصاص في الموضحة، حتى يشهد بها من يثبت القصاص بشهادته.
فصل
القسم الثالث: المال وما يوجبه، كالبيع، والإجارة، والهبة، والوصية له، والضمان، والكفالة، فيقبل فيه شهادة رجل وامرأتين؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} [البقرة: 282] إلى قوله: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] ، نص على المداينة، وقسنا عليه سائر ما ذكرنا.
وقال ابن أبي موسى: لا تثبت الوصية إلا بشاهدين؛ لقول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106] .
فصل
القسم الرابع: ما ليس بمال ولا عقوبة، كالنكاح، والطلاق، والرجعة، والعتق، والوكالة، والوصية إليه، والولاية، والعزل وشبهه، ففيه روايتان: إحداهما: لا يقبل فيه إلا رجلان؛ لقول الله تعالى في الرجعة: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] فنقيس عليه سائر ما ذكرنا، ولأنه ليس بمال، ولا المقصود منه المال، أشبه العقوبات.