يقول له: إن أجبت وإلا جعلتك ناكلا، وحكمت عليك، ويكرر ذلك ثلاثاً، فإن أجاب وإلا حكم عليه؛ لأنه ناكل عما يلزمه جوابه، فأشبه الناكل عن اليمين.

فصل:

ومتى اتضح الحكم للقاضي، لزمه الحكم به، ولم يجز ترديد الخصمين؛ لأن الحكم لازم، وأداء الحق واجب، فلم يجز تأخيره. وإن كان فيه لبس أمرهما بالصلح، فإن أبيا، أخرهما، ولا يحكم حتى يزول اللبس، ويتضح وجه الصواب؛ لأن الحكم بالجهل حرام.

[باب القضاء على الغائب وحكم كتاب القاضي]

إن حضر رجل يدعي على رجل غائب عن البلد ولا بينة معه، لم تسمع دعواه؛ لأن سماعها لا يفيد. وإن كانت له بينة، سمع الدعوى، والبينة وحكم بها؛ لأنها بينة مسموعة، فيحكم بها، كما لو شهدت على حاضر. وعن أحمد: لا يجوز القضاء على الغائب. وهو اختيار ابن أبي موسى؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «إذا تقاضى إليك رجلان، فلا تقض للأول حتى تسمع كلام الآخر، فإنك لا تدري بما تقضي» . رواه الترمذي. وقال: حديث حسن؛ ولأنه قضى لأحد الخصمين وحده، فلم يجز، كما لو كان الآخر في البلد؛ ولأنه يحتمل القضاء والإبراء، وكون الشاهد مجروحاً، فلم يجز الحكم، كالأصل. ولو ادعى على حاضر لم تسمع البينة، حتى يحضر، لما ذكرنا؛ ولأنه يمكن سماع قوله، فلم يحكم قبل سماعه، كحاضر المجلس. وتعتبر الغيبة إلى مسافة القصر؛ لأنها الغيبة التي تبنى عليها الأحكام. فإن امتنع الخصم في البلد من الحضور عند الحاكم، وتعذر إحضاره، حكم عليه؛ لأنه لو لم يحكم عليه، لجعل الامتناع والاستتار طريقاً إلى تضييع الحقوق، ويكون حكمه حكم الغائب. وإن هرب المدعى عليه بعد الدعوى، فهو كما لو هرب قبلها في الحكم عليه. ولو كانت الدعوى على صبي أو مجنون، لحكم عليه بالبينة؛ لأنه لا يعبر عن نفسه، فهو كالغائب، ولا يمين على المدعي في هذه المواضع كلها؛ لأنه أقام البينة بحقه فلم يستحلف، كما لو كان خصمه حاضراً. وعنه: يستحلف؛ لأنه يجب الاحتياط. ويحتمل أن يكون قد قضاه أو أبرأه، أو غير ذلك، وكذلك لو كان حاضراً، فادعى بعض ذلك وطلب اليمين، أجيب إليها، فمع الغيبة أولى، وكذلك الحكم إن كانت الدعوى على مجنون، أو صبي؛ لأنه لا يعبر عن نفسه، فهو كالغائب.

فصل:

ويجوز للقاضي أن يكتب إلى قاض آخر بما ثبت عنده، ليحكم به، وبما حكم به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015