لينفذه، لما روى الضحاك بن سفيان قال: «كتب إلي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها» . أخرجه أبو داود والترمذي؛ ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك. فإن كتب بما حكم به لينفذه، جاز في المسافة القريبة والبعيدة؛ لأن إمضاء حكم القاضي لازم لكل قريب وبعيد. وإن كتب بما ثبت عنده ليحكم به، لم يجز إلا إذا كان بينهما مسافة القصر؛ لأن القاضي الكاتب فيما حمل شهود الكتاب، كشاهد الأصل، وشهود الكتاب كشاهد الفرع. ولا تقبل شهادة الفرع مع قرب الأصل.

فصل:

ولا يقبل الكتاب إلا أن يشهد به شاهدان عدلان لأن ما أمكن إثباته بالشهادة، لم يجز الاقتصار فيه على الظاهر، كالمفقود. ويتخرج أن يجوز قبوله بغير شهادة، إذا عرف المكتوب إليه خط القاضي الكاتب وختمه، كقولنا في الوصية. والأول أولى؛ لأن الخط يشبه الخط، والختم يشبه الختم، فلا يؤمن التزوير عليه. فإذا أراد إنفاذ كتاب، أحضر شاهدين وقرأ الكتاب عليهما، أو يقرؤه غيره وهو يسمعه، والمستحب أن ينظر الشاهدان في الكتاب حتى لا يحرف ما فيه. وإن لم ينظرا جاز؛ لأنهما يؤديان ما سمعا. فإذا وصلا إلى القاضي المكتوب إليه، قرآ الكتاب عليه، وقالا: نشهد أن هذا كتاب فلان إليك سمعناه وأشهدنا به، كتب إليك بما فيه. فإن قالا: نشهد أن فلاناً هذا كتب إليك بما في هذا الكتاب، وسلماه إليه من غير قراءته عليه، لم يقبله؛ لأنه ربما زور عليهما، وإن لم يختم الكتاب، أو ختمه فانكسر الختم، لم يضر؛ لأن المعول على ما فيه. وإن انمحى بعضه وهما يحفظان ما فيه، أو معهما نسخة أخرى، شهدا، وقبل الحاكم. وإن لم يحفظاه، ولا معهما نسخة أخرى، لم يشهدا؛ لأنهما لا يعلمان ما انمحى منه.

فصل:

وإن مات الكاتب، أو عزل، جاز للمكتوب إليه قبول الكتاب، والعمل به؛ لأنه إن كان الكتاب بما حكم به، وجب تنفيذه عل كل أحد، وإن كان فيما ثبت لينفذ، فالكاتب كشاهد الأصل. وموت شاهد الأصل لا يمنع قبول شاهد الفرع. وإن فسق الكاتب، ثم وصل كتابه، وجب قبوله فيما حكم به؛ لأن الحكم لا يبطل بالفسق بعده، ولم يقبل فيما ثبت عنده؛ لأنه كشاهد الأصل. وشاهد الأصل إذا فسق قبل الحكم، لم يحكم بشهادة الفرع. وإن مات المكتوب إليه أو عزل، أو ولي غيره، قبل الثاني الكتاب؛ لأن المعول عل ما حفظه الشهود وتحملوه. ومن تحمل شهادة وشهد بها، وجب على كل قاض الحكم بشهادته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015