وعنه: يحكم بشهادة من جهل عدالته ما لم يقل المشهود عليه: هو فاسق، لقول عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: المسلمون عدول بعضهم على بعض؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما شهد عنده الأعرابي برؤية الهلال، لم يسأل عن عدالته؛ ولأن العدالة تخفى ويدل عليها الإسلام، فاكتفى به. والأول: المذهب لقول الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . وقال سبحانه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وروى سليمان بن حرب قال: شهد رجل عند عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فقال له عمر: إني لست أعرفك، ولا يضرك أنني لا أعرفك، فائتني برجل يعرفك، فقال رجل: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين. قال: بأي شيء تعرفه. قال: بالعدالة. قال: فهو جارك الأدنى تعرف ليله ونهاره، ومدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع؟ قال: لا، قال: فصاحبك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا، قال: فلست تعرفه. ثم قال للرجل: ائتني بمن يعرفك؛ ولأنه لا يؤمن أن يكون فاسقاً. فإذا أراد أن يعرف عدالته، كتب اسمه، ونسبه، وكنيته، وحليته، وصنعته، ومسكنه، حتى لا ينسبه، ومن شهد له وعليه، لئلا يكون ممن لا تقبل شهادته للمشهود له، من والد أو ولد، ولا تقبل شهادته على المشهود عليه من عدو، وقدر ما يشهد به لئلا يكون ممن يقبل قوله في القليل دون الكثير. ويبعث ما كتبه مع أصحاب المسائل، ويجتهد أن لا يعرفهم المشهود له، ولا المشهود عليه، لئلا يحتالا في تعديل الشهود أو جرحهم، ولا المسؤولون، لئلا يحتال أعداؤهم في جرحهم، وأصدقاؤهم في تعديلهم. ويجتهد أن لا يعلم بعض أهل المسائل ببعض، كيلا يجمعهم الهوى على التواطؤ على جرح أو تعديل. ويأمرهم القاضي: أن يسألوا عنه معارفه من أهل سوقه، ومسجده، وجيرانه. فإذا عاد أهل المسائل بجرح أو تعديل، ففيه وجهان:
أحدهما: يكتفي بقولهم؛ لأن الجيران لا يلزمهم الحضور للشهادة بما عندهم، فعلى هذا: يشهد أصحاب المسائل عند الحاكم بلفظ الشهادة، ويعتبر عدولهم كما في سائر المعدلين.
والثاني: لا يكتفي بهم؛ لأنهم شهود فرع، فلا يكتفى بهم مع القدرة على شهود الأصل. لكن يعينون من أخبرهم بالجرح أو العدالة، ليستحضر الحاكم اثنين منهم، فيسمع منهم الجرح والتعديل بلفظ الشهادة والعدد، فعلى هذا: لا يعتبر العدد في أصحاب المسائل، بل يجوز أن يكون واحداً؛ لأنه مخبر عن شاهد، ليس بشاهد.