فصل:

ولا يقبل الجرح والتعديل من أقل من اثنين؛ لأنه إخبار عن صفة من يبنى الحكم على صفته، فأشبه الإحصان. وعنه: يكتفى بواحد. اختارها أبو بكر؛ لأنه إخبار عن حال من لا حق له، فأشبه أخبار الديانات؛ ولأنه يكتفى في تعديل راوي الحديث وجرحه بقول واحد، فكذلك في غيره. والأول: المذهب، لما ذكرنا. وإنما اكتفي في تعديل الراوي بواحد؛ لأنه فرع على الرواية المنقولة من واحد، بخلاف الشهادة، ويعتبر فيه اللفظ بالشهادة؛ لأنه شهادة إلا على الرواية التي قلنا: هو خبر، فلا يعتبر فيه لفظ الشهادة، ويكفي في التعديل قوله: أشهد أنه عدل. وإن لم يقل: علي ولي؛ لأنه لا يكون عدلاً، إلا له وعليه. ولا يكفي أن يقول: لا أعلم فيه إلا الخير؛ لأنه لم يصرح بالتعديل. وإن شهد بالجرح واحد، وبالتعديل اثنان، ثبتت العدالة؛ لأن بينة الجرح لم تكمل. وإن شهد بالجرح اثنان، قدم الجرح على التعديل؛ لأن الشاهد به يخبر عن أمر باطني خفي على المعدل، وشاهد العدالة يخبر عن أمر ظاهر، فقدم من يخبر عن الباطن؛ ولأن الجارح مثبت، والمعدل ناف، فقدم الإثبات. وإن شهد بالجرح اثنان، وبالعدالة أربعة، قدم الجرح؛ لأن بينته كملت، ولا يقبل الجرح إلا مفسراً بأن يذكر السبب الذي به جرح، ولا يكفي أن يشهد أنه فاسق، أنه ليس بعدل، وعنه: يكتفى بذلك، كما يكتفى في التعديل أن يشهد أنه عدل. والأول: المذهب؛ لأن الناس يختلفون فيما يفسق به الإنسان، فيحتمل أن يعتقد الشاهد فسقه بما لا يعتقده الحاكم فسقاً. والجرح والتعديل إلى الحاكم، فوجب بيانه، لينظر فيه. ولا يجوز أن يشهد بالجرح إلا من يعلم ذلك بمشاهدة الأفعال، كالسرقة، وشرب الخمر. أو بالسماع في الأقوال، كالقذف، والبدعة، أو بالاستفاضة بالخبر؛ لأنه شهادة عن علم. فإن قال: بلغني كذا، أو قيل لي، لم يجز أن يشهد به، لقول الله تعالى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] ولا يقبل التعديل إلا من أهل الخبرة الباطنة ممن تقدمت معرفته، وطالت صحبته، لحديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وأن المقصود علم عدالته في الباطن، ولا يعلم ذلك إلا من تقدمت معرفته، ولا يقبل الجرح والتعديل من النساء؛ لأنه شهادة بما ليس بمال، ولا المقصود منه المال، ويطلع عليه الرجال في غالب الأحوال، أشبه الحدود.

فصل:

وإذ لم تثبت عدالته، فقال المشهود عليه: هو عدل، حكم بشهادته؛ لأن البحث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015