والنعاس الشديد، والمرض المقلق، ومدافعة الأخبثين، والحر المزعج، والبرد المؤلم، لما روى أبو بكرة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان» . متفق عليه. فثبت النص في الغضب، وقسنا عليه سائر المذكور؛ لأنه في معناه؛ ولأن هذه الأمور تشغل قلبه، فلا يتوفر على الاجتهاد في الحكم وتأمل الحادثة. فإن حكم في هذه الأحوال، ففيه وجهان:

أحدهما: ينفذ حكمه، لما روي «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختصم إليه الزبير، ورجل من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للزبير: اسق زرعك ثم أرسل الماء إلى جارك فقال الأنصاري: أن كان ابن عمتك؟ فغضب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم قال للزبير: اسق زرعك ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر» . متفق عليه. فحكم في غضبه.

والثاني: لا ينفذ حكمه؛ لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، وقيل: إنما يمنع الغضب الحكم قبل أن يتضح حكم المسألة؛ لأنه يشغله عن استيضاح الحق. أما إذا حدث بعد اتضاح الحكم، لم يمنع حكمه فيها، كقصة الزبير.

فصل:

ويستحب للحاكم الجلوس للحكم في موضع بارز واسع يصل إليه كل أحد، ولا يحتجب من غير عذر، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «من ولي من أمر الناس شيئاً فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم، احتجب الله دون حاجته وفقره» رواه الترمذي

ويكون موضعاً لا يتأذى فيه بحر ولا برد ولا دخان ولا رائحة منتنة؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتب إلى أبي موسى: إياك والقلق والضجر. وهذه الأشياء تفضي إلى الضجر، وتمنعه من التوفر على الاجتهاد، ويمنع الخصوم من استيفاء الحجة، ولا بأس بالقضاء في المساجد، لما روي عن عمر وعثمان وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أنهم كانوا يقضون في المسجد. وقال مالك: هو من أمر الناس القديم. فإن اتفق لأحد الخصمين مانع من دخول المسجد، كالحيض، والكفر، وكل له وكيلاً أو انتظره حتى يخرج، فيحاكم إليه.

فصل:

وإن احتاج إلى أعوان لإحضار الخصوم، اتخذ أمناء كهولاً أو شيوخاً من أهل الدين،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015