حنث؛ لأنه كلمه. وإن قصدهم دونه، لم يحنث؛ لأن اللفظ العام يصح استعماله في الخصوص. وإن أطلق، حنث؛ لأن العام يحمل على عمومه ما لم يخصه مخصص. ويحتمل أن لا يحنث؛ لأنه يصلح للبعض، فلا يحنث بالاحتمال. وإن كاتبه، أو راسله، ففيه روايتان:
إحداهما: يحنث، لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا} [الشورى: 51] . فاستثنى ذلك من التكليم؛ ولأن ظاهر حاله قصد هجرانه، فتحمل يمينه عليه.
والثانية: لا يحنث؛ لأنه ليس بتكليم، ولهذا صح نفيه، إلا أن ينويه، أو يكون سبب يمينه يقتضي مقاطعته وجفاءه. وفي الإشارة وجهان. بناء على الرسالة. فإن ناداه وهو غائب، أو ميت، أو أصم، أو مغمى عليه، لم يحنث؛ لأنه ليس بتكليم له. وقال أبو بكر: يحنث بتكليم الميت؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كلمهم. والأول أصح؛ لأنه قد بطلت حواسه، وذهبت نفسه، وتكليم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم من خصائصه، فلا يقاس عليه. وإن حلف لا يتكلم، فقرأ، أو سبح، لم يحنث، لقول الله سبحانه: {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} [آل عمران: 41] . وقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة» . متفق عليه.
فإن حلف على ترك كلامه أياماً متتابعة، دخلت الليالي التي بين الأيام في يمينه؛ لأن الله تعالى: جعل آية زكريا ترك الكلام في الأيام، فدخلت الليالي فيه.
فصل:
فإن حلف على غريمه: لا افترقنا حتى أستوفي حقي منك، فهرب منه، حنث؛ لأن يمينه تقتضي ألا يحصل بينهما فرقة وقد حصلت. وإن حلف: لا فارقتك، فهرب منه، لم يحنث؛ لأن اليمين على فعل نفسه، ولم توجد المفارقة إلا من غريمه. وعنه: يحنث، كما ذكرنا في التي قبلها، وإن فارقه الغريم بإذنه، أو قدر على منعه من الهرب فلم يفعل، حنث؛ لأن معنى يمينه لألزمنك ولم يلزمه اختياراً، وإن أحاله ففارقه، حنث؛ لأنه فارقه قبل استيفاء حقه. فإن ظن أنه قد بر خرج على الروايتين في الجاهل. وإن قضاه عن حقه من غير جنسه، ففارقه، فقال ابن حامد: لا يحنث؛ لأنه وصل إلى حقه من غريمه. وقال القاضي: إن كان لفظه: لا فارقتك ولي قبلك حق، لم يحنث؛ لأنه لم يبق له قبله حق. وإن قال: حتى أستوفي حقي منك، حنث؛ لأن يمينه على نفس