هذا البر، فصار زرعاً، أو بيضة، فصارت فرخاً، أو على خمر، فصار خلاً، لم يحنث؛ لأن الأعيان استحالت، فزال حكم اليمين، ومتى كانت نية الحالف على شيء مقيد بصفة، تقيدت يمينه بذلك. ومتى حلف: لا يدخل دار فلان، ولا يكلم عبده ولا زوجته، ولا يركب دابته، وقصد معيناً، تعلقت اليمين بعينه، سواء بقي لفلان، أو انتفل عنه، ولا تتناول يمينه غير تلك الدار والعبد والدابة والزوجة؛ لأنه تعين بنيته. وإن لم يعين حنث بكلام كل عبد وزوجة له، ودخول كل دار مضافة إليه بملك أو إجارة أو سكنى؛ لأن الدار تضاف إلى ساكنها. قال الله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] . يريد: بيوت أزواجهن التي تسكنها. ولا يحنث بكلام عبد زال عنه ملك فلان، ولا دار. ولو حلف: لا يدخل دار عبد فلان، ولا يركب دابته، ولا يلبس ثوبه، فركب، أو لبس، أو سكن، أو ركب ما جعل برسمه، حنث، لما ذكرنا؛ ولأن إضافة الملكية هنا غير متحققة، فتعين صرفها إلى غير الملكية.
فصل:
وإن عدم التعيين، تعلقت يمينه بما تناوله الاسم، والأسماء ثلاثة أقسام:
أحدها: الأسماء العرفية، وهي أسماء اشتهر في العرف استعمالها في غير موضوعها، وهي أربعة أنواع:
أحدها: ما صارت الحقيقة فيه مغمورة، لا يعرفها أكثر الناس، كالراوية: للمزادة، وحقيقتها: البعير الذي يسقى عليه. والغائط والعذرة: للفضلة المستقذرة. وحقيقة الغائط: المكان المطمئن. والعذرة: فناء الدار. فهذا تنصرف اليمين عليه إلى الاسم العرفي دون الحقيقي؛ لأنه يعلم أنه لا يريد غيره، فصار كالمصرح به، ولو حلف: لا يأكل شواء، اختصت يمينه اللحم المشوي، دون المشوي من البيض وغيره، لاختصاص الشوي باللحم المشوي، دون غيره. وإن حلف على الدابة، لم تتناول يمينه آدمياً، ولا ما لا يسمى دابة في العرف، وإن حلف: لا استظل بسقف، لم تتناول يمينه السماء، وإن كان الله تعالى قد قال: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء: 32] . ولو حلف على السراج، لم يتناول الشمس، لعدم تسميتها عرفاً. وإن اختلف أهل بلدين في تسمية عين، انصرفت يمين الحالف إلى تسمية أهل بلده؛ لأنه لا يريد غيره، فأشبه ما لو اختلفت اللغات.
النوع الثاني: ما يزيل الاسم عن الحقيقي، مثل اسم اللحم، يتناول في الحقيقة