فصل: ومن حلف بالقرآن، فحنث، فقياس المذهب أن عليه كفارة واحدة؛ لأن الحلف بصفات الله تعالى وتكرر اليمين بها، لا يوجب أكثر من كفارة واحدة، فهذا أولى. والمنصوص عنه أن عليه بكل آية كفارة؛ لأن ابن مسعود قال ذلك. قال أحمد: ما أعلم شيئاً يدفعه. ويحتمل أن ذلك ندب غير واجب؛ لأنه قال: عليه بكل آية كفارة يمين، فإن لم يمكنه، فعليه كفارة يمين. ورده إلى كفارة واحدة عند العجز، دليل على أن الزائد عليها غير واجب؛ إذ لو وجب، لم يسقط بالعجز، كالواحدة.
ومبنى الأيمان على النية، فمتى نوى بيمينه ما يحتمله، تعلقت يمينه بما نواه، دون ما لفظ به، سواء نوى ظاهر اللفظ أو مجازه، مثل أن ينوي موضوع اللفظ، أو الخاص بالعام، أو العام بالخاص، أو غير ذلك؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «وإنما لكل امرئ ما نوى» فتدخل فيه الأيمان؛ ولأن كلام الشارع يصرف إلى ما دل الدليل على أنه أراده دون ظاهر اللفظ، فكلام المتكلم مع اطلاعه على تعين إرادته أولى. فلو حلف ليأكلن لحماً أو فاكهة، أو ليشربن ماء، أو ليكلمن رجلاً، أو ليدخلن داراً، أو لا يفعل ذلك، وأراد بيمينه معيناً، تعلقت يمينه به دون غيره، وإن نوى الفعل أو الترك في وقت بعينه، اختص بما نواه. وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش، يريد قطع منته، تناولت يمينه كل ما يمتن به؛ لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلى منه، كقول الله تعالى: {وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء: 77] . يريد: ولا تظلمون شيئاً. وقال الشاعر:
ولا يظلمون الناس حبة خردل
وإن حلف: لا يلبس شيئاً من غزلها، يريد قطع منتها، فباعه وانتفع بثمنه، حنث، ولا يتعدى الحكم إلى كل ما فيه منة؛ لأن لكونه من غزلها أثراً في داعية اليمين، فلم يجز حذفه. وإن حلف: لا يأوي معها في دار، ينوي جفاءها، ولم يكن للدار أثر في القصد، فأوى معها في غيرها، حنث، ولا يحنث بصلتها بغير الإيواء؛ لأن له أثراً فلا يحذف. وإن قال: إن رأيتك تدخلين الدار، فأنت طالق، يقصد منعها الدخول بالكلية، حنث بدخولها وإن لم يرها، وإن لم يرد ذلك، لم يحنث حتى يراها تدخل اتباعاً للفظه. وإن حلف: ليقضينه حقه في غد، يريد ألا يتجاوزه بالقضاء، فقضاه قبله، لم