والثانية: له التكفير بالمال إذا أذن له سيده فيه. وملكه قدر ما يكفر به؛ لأنه قدر على التكفير بالمال، فصح تكفيره به، كالمعسر يملك ما يكفر به، فعلى هذا له التكفير بالإطعام. وهل له التكفير بالعتق؟ على روايتين:
إحداهما: له ذلك؛ لأنه من صح تكفيره بالإطعام، صح تكفيره بالعتق، كالحر.
والثانية: لا يجوز؛ لأن العتق يقتضي الولاية والإرث، وليس ذلك للعبد. فإن قلنا: يجوز، فأذن له في إعتاق نفسه عن كفارته، ففعل، ففيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأنها رقبة تجزئ عن غيره. فأجزأت عنه كغيره.
والثاني: لا تجزئه؛ لأنه لا يملك نفسه، فلا يجزئه التكفير بها، كما لو لم يؤذن له؛ ولأن الكفارة عنه، لم يجز صرفها إلى نفسه، كالحر. فأما إن أذن في العتق مطلقاً، لم يجز أن يعتق نفسه، كما لو وكل غريماً في إبراء بعض غرمائه، لم يملك إبراء نفسه. وقال أبو بكر: فيه وجه آخر أنه يجزئه. فإن حنث وهو عبد، فعتق، فقال الخرقي: لا يجزئه غير الصيام؛ لأنه حين الوجوب لا يجزئه غيره؛ ولأنه حكم تعلق بالعبد، فلم يتغير بحريته كالحد. ومن جعل للعبد التكفير بالمال في حال رقه، فهنا أولى. ومن اعتبر أغلظ الأحوال وكان موسراً، لم يجز له التكفير بغير المال.
فصل:
ومن حلف أيماناً كثيرة على شيء واحد، فحنث، لم يلزمه أكثر من كفارة؛ لأنها أسباب كفارات من جنس، فتداخلت، كالحدود. وإن حلف يميناً واحدة على أفعال مختلفة، فحنث في الجميع، أجزأه كفارة واحدة؛ لأنها يمين واحدة، فلم يحنث بها أكثر من كفارة، كما لو حلف على فعل واحد. وإن حنث بفعل واحد، انحلت يمينه في الباقي. وإن حلف أيماناً على أفعال فقال: والله لا أكلت، والله لا شربت، والله لا لبست، ففيه روايتان:
إحداهما: يجزئه عن الجميع كفارة واحدة، اختارها أبو بكر والقاضي؛ لأنها كفارات من جنس واحد، فتداخلت، كالحدود.
والثانية: يجب في كل يمين كفارة، وهو ظاهر قول الخرقي؛ لأنها أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى، فوجبت في كل يمين كفارتها، كالمختلفة الكفارة. قال أبو بكر: المذهب الأول، وقد رجع أحمد عن الرواية الأخرى. ولو حلف على شيء واحد بيمينين مختلفي الكفارة، كالظهار واليمين بالله، لزمته في كل يمين كفارتها؛ لأنها أجناس، فلم تتداخل، كالحدود من أجناس.