لأن اليمين إنما تنعقد لحرمة الاسم، ومع الاشتراك لا حرمة له، والأول أصح؛ لأنه أقسم بالله قاصدا للحلف به، فكان يمينا كالذي قبله.
فصل:
وصفات الله تعالى تنقسم قسمين:
أحدهما: ما هو صفة لذات الله تعالى لا يحتمل غيرها، كعظمة الله، وعزته، وجلاله، وكبريائه، فالقسم بها يمين منعقدة؛ لأنها صفة من صفات ذات الله لم يزل موصوفا بها، أشبهت أسماءه.
والثاني: ما هو صفة حقيقية، ويعبر به عن غير ذلك مجازا، كعلم الله وقدرته، فإن أطلق كان يمينا، فإن نوى بعلم الله معلومه، وبقدرته مقدوره، فالمنصوص عن أحمد أنه يمين؛ لأنه موضوع لليمين، فلا يقبل منه غيره، ويحتمل أن لا يكون يمينا؛ لأنه نوى بكلامه ما يحتمله مما ليس بيمين، فأشبه القسم بالقادر. وإن أقسم بحق الله، كان يمينا؛ لأنه إذا اقترن به عرف الاستعمال باليمين، انصرف إلى ما يستحقه لنفسه من العظمة والكبرياء، فأشبه قدرة الله. وإن قال: لعمر الله، كان يمينا؛ لأنه أقسم بصفة من صفات الله، فهو كالحالف ببقاء الله. ويقال: الْعَمْرُ وَالْعُمُرُ وَاحِدٌ، فهو قسم ببقاء الله. وقد ثبت لها عرف الاستعمال. قال الله تعالى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] .
وقال النابغة:
فلا لعمر الذي قد زرته حججا ... وما هريق على الأنصاب من جسد
وإن قال: وايم الله، أو وايمن الله، فهو يمين، كما ذكرنا في الذي قبله، وإن حلف بالقرآن، أو بكلام الله، فهي يمين منعقدة؛ لأن كلام الله صفة من صفاته، والقرآن هو كلام الله. وإن حلف بسورة منه، فهي يمين؛ لأنها من القرآن، وكذلك إن حلف بالمصحف؛ لأن القرآن فيه. قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} [الواقعة: 77] {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة: 78] .
وإن حلف بعهد الله، أو ميثاقه، أو أمانته، فهو يمين؛ لأنه يحتمل كلام الله الذي أمرنا به ونهانا، كقول تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} [يس: 60] ، وقرينة الاستعمال صارفة إليه. وإن قال: والعهد والميثاق والأمانة، ونوى ذلك كان يمينا. وإن أطلق ففيه روايتان: