وقال بعض أصحابنا: يجوز الاستثناء ما دام في المجلس، واشترط القاضي أن يقصد الاستثناء، فإن سبق لسانه إليه من غير قصد كالعادة، لم يصح الاستثناء؛ لأن اليمين يعتبر لها القصد، فكذلك ما يرفع حكمها، ولا ينفعه الاستثناء بقلبه حتى يقول بلسانه، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: إن شاء الله فعلقه بالقول؛ ولأن اليمين لا تنعقد بالنية، فكذلك الاستثناء، إلا أن أحمد قال: إن كان مظلوما، فاستثنى في نفسه، رجوت أن يجوز إذا حلف على نفسه، وذلك لأنه بمنزلة التأويل، يجوز للمظلوم دون غيره.

فصل:

ولا تنعقد اليمين إلا باسم من أسماء الله تعالى، أو صفة من صفاته، لما روى عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحف بالله، أو ليصمت» متفق عليه. وعن ابن عمر: «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من حلف بغير الله فقد أشرك» . قال الترمذي: هذا حديث حسن.

فلو حلف بالكعبة أو بنبي، أو عرش، أو كرسي، أو غير ذلك، لم تنعقد يمينه.

وعنه: من حلف بحق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فحنث، فعليه الكفارة؛ لأنه أحد شرطي الشهادة، فأشبه الحلف باسم الله، والأول أولى، لدخوله في عموم الأحاديث وشبهه، كسائر الأنبياء - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -.

فصل:

وأسماء الله ثلاثة أقسام:

أحدها: ما لا يشارك الله تعالى فيه غيره، نحو: الله، والرحمن، ومالك يوم الدين، ورب العالمين، والحي الذي لا يموت، فالحلف بها يمين بكل حال.

الثاني: ما يسمى به غير الله، وإطلاقه ينصرف إليه، كالملك، والجبار والسلطان والرحيم، والقادر، فهذا إن نوى اليمين، أو أطلق، كان يمينا؛ لأنه بإطلاقه ينصرف إليه، وإن نوى به غير الله، لم يكن يمينا؛ لأنه نوى ما يحتمله، مما لو صرح به لم يكن يمينا. قال طلحة العاقولي: إذا قال: والخالق والرزاق والرب، كان يمينا بكل حال؛ لأنها لا تستعمل مع لام التعريف، إلا في اسم الله تعالى، فأشبهت القسم الأول.

الثالث: ما لا ينصرف بالإطلاق إلى اسم الله تعالى، كالحي، والعالم، والموجود، والمؤمن، والكريم. فهذا إن أطلق لم يكن يمينا؛ لأنه لا ينصرف مع الإطلاق إليه، وإن قصد باليمين اسم الله، كان يمينا. وقال القاضي: لا يكون يمينا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015