معارضة، فأشبه غير الأسير. وإن كان مكروها لم يصح، فإن أكرهوه على قبضه، لم يلزمه ضمانه وإن تلف، وعليه رده إن كان باقيا؛ لأنهم دفعوه إليه بحكم عقد فاسد، وإن قبضه باختياره، فعليه ضمانه كذلك، والله أعلم.
ومعناها: موادعة أهل الحرب، ولا يجوز ذلك إلا على وجه النظر للمسلمين، وتحصيل المصلحة لهم، لقول الله تعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} [محمد: 35] ؛ ولأن هدنتهم من غير حاجة، ترك للجهاد الواجب لغير فائدة، فإن رأى الإمام المصلحة فيها، جازت، لقول الله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] ، وقَوْله تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ} [التوبة: 4] ، وروى مروان ومسور بن مخرمة: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صالح سهيل بن عمرو بالحديبية، على وضع القتال عشر سنين» ، ووادع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبائل من المشركين، وقريظة، والنضير؛ ولأنه قد تكون المصلحة في الهدنة لضعف المسلمين عن قتالهم، أو طمع في إسلامهم، أو التزامهم الجزية، أو غير ذلك. ولا يجوز عقدها إلا من الإمام، أو نائبه؛ لأنه عقد يقتضي الأمان لجميع المشركين، فلم يجز لغيرهما، كعقد الذمة.
فصل:
ولا يجوز عقد الهدنة مطلقا غير مقدرة بمدة؛ لأن إطلاقها يقتضي التأبيد، فيفضي إلى ترك الجهاد أبدا. ويرجع في تقديرها إلى رأي الإمام على ما يراه من المصلحة في قليل وكثير. وقال القاضي: وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز أكثر من عشر سنين. وهو اختيار أبي بكر؛ لأن الأمر بالجهاد يشمل الأوقات كلها، خص منه مدة العشر بصلح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أهل الحديبية على عشر، ففيما زاد يبقى على العموم.
ووجه الأول: أنه عقد يجوز في العشر، فجاز فيما زاد عليها، كالإجارة. فإن هادنهم أكثر من قدر الحاجة، بطل في الزائد، وهل يبطل في قدر الحاجة على