وأشكل، لم يجز قتل واحد منهم؛ لأنه اشتبه المباح بالمحرم، فوجب تغليب التحريم، كما لو اختلطت أخته بأجنبيات، وفي استرقاقهم وجهان:

أحدهما: لا يسترق واحد منهم كذلك، قال القاضي: هذا المنصوص عليه.

والثاني: يقرع بينهم، فيخرج صاحب الأمان بالقرعة، ويسترق الباقون، اختارها أبو بكر؛ لأنه اشتبه الحر بالرقيق، فوجب أن يخرج بالقرعة، كما لو أعتق عبدا من عبيده وأشكل، وإن أسلم واحد في الحصن قبل فتحه، ثم فتح، فادعى كل واحد منهم أنه المسلم، خرج فيها ما في التي قبلها؛ لأنها في معناها.

فصل:

وإذا أسر الكفار أسيرا، فأطلقوه بشرط أن يقيم عندهم مدة، كانوا في أمان منه، ولم يكن له أن يهرب منهم، ولا أن يخونهم في أموالهم؛ لأنهم على هذا أطلقوه. وإن أطلقوه ولم يشرطوا عليه شيئا، فله أن يقتل، ويسرق، ويهرب؛ لأنه لم يصدر منه ما يثبت به الأمان. وكذلك إن أطلقوه على أن يكون رقيقا لهم، وملكا؛ لأنه حر لا يثبت عليه الملك، ولم يصدر منه أمان. فإن أطلقوه وأمنوه، ولم يشرطوا عليه شيئا، كان له الهرب؛ لأنه ليس بمال لهم، ولم يكن له خيانتهم في أموالهم وأنفسهم؛ لأن أمانهم له يقتضي سلامتهم منه، وإن شرطوا عليه الإقامة عندهم، فالتزمه، لزمه الوفاء لهم. نص عليه، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] . وقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «المؤمنون عند شروطهم» . وإن شرطوا عليه أن يبعث إليهم فداءه من دار الإسلام، لزمه ذلك، لما ذكرنا؛ ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صالح أهل الحديبية على رد من جاء، وَفَّى لهم، وقال: «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» ، فإن عجز عن الفداء، كان في ذمته، يبعثه إليهم متى قدر، كثمن المبيع.

وإن شرطوا عليه أنه إن لم يقدر على الفداء، رجع عليهم، فلم يقدر عليه، وكان رجلا لزمه الوفاء في إحدى الروايتين، لما ذكرناه.

والثانية: لا يعود إليهم؛ لأن العود إليهم معصية، فلم يلزم بالشرط. وإن كانت امرأة، لم ترجع إليهم رواية واحدة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما صالح أهل الحديبية على رد من جاءه، منعه الله تعالى رد النساء؛ ولأن في ردها تسليطا على وطئها حراما، فلم يجز. وإن كان الأسير شرط لهم ذلك مكروها بضرب وتعذيب، لم يلزمه الوفاء لهم بشرط مما شرطه. وإن اشترى الأسير منهم شيئا مختارا، أو اقترضه، لزمه الوفاء لهم؛ لأنه عقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015