وجهين، بناء على تفريق الصفقة. وكذلك إذا هادنهم أكثر من عشر على الرواية الأخرى بطل في الزيادة، وفي مدة العشر وجهان. فإن قال هادنتكم ما شئتم، لم يصح؛ لأنه جعل الكفار متحكمين على المسلمين، وإن قال: هادنتكم ما شئنا، أو ما شاء فلان، أو شرط أن له نقضها متى شاء، لم يصح؛ لأنه ينافي مقتضى العقد؛ ولأنه عقد مؤقت، فلم يجز تعليقه على مشيئة أحدهما، كالإجارة. وقال القاضي: يصح لأنه جعل التحكم إليه. وإن قال: إلى أن يشاء الله، أو نقركم ما أقركم الله، لم يجز؛ لأنه لا طريق إلى معرفة ما عند الله.
فصل:
وتجوز الهدنة على غير مال؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صالح أهل الحديبية، وغيرهم بغير مال. وتجوز على مال يأخذه منهم؛ لأنه إذا جازت بغير مال، فعلى مال أولى، فأما مصالحتهم على مال يدفعه إليهم، فقد أطلق أحمد المنع منه؛ لأن فيه صغارا على المسلمين. وهذا محمول على غير حال الضرورة. فأما عند الحاجة، مثل أن يخاف على المسلمين قتلا، أو أسرا، أو تعذيب من عندهم من الأسارى، فيجوز، لما روى الزهري قال: «أرسل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى عيينة بن حصن وهو مع أبي سفيان: أرأيت إن جعلت لك ثلث ثمر الأنصار، أترجع بمن معك من غطفان وتخذل بين الأحزاب فأرسل إليه عيينة: إن جعلت لي الشطر، فعلت.» فلولا أنه جائز، لما جعله له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ ولأن الضرر المخوف أعظم من الضرر ببذل المال. فجاز دفع أعلاهما بأدناهما.
فصل:
ويجوز في عقد الصلح شرط رد من جاء من أهل الحرب من الرجال؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شرط ذلك في صلح الحديبية. ولا يجوز شرط رد النساء المسلمات، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] . ولما عقد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصلح في الحديبية، جاءت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، فجاء أخواها يطلبانها، فأنزل الله تعالى: {فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] ، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن الله منع الصلح في النساء» ؛ ولأنه لا يؤمن أن تتزوج بمشرك، فيصيبها، أو تفتن في دينها.
ولا يجوز رد الصبيان العقلاء؛ لأنهم بمنزلة المرأة في ضعف قلوبهم، وقلة معرفتهم، فلا يؤمن أن يفتتنوا عن دينهم. وإن شرط رد الرجال بها، لزم الوفاء لهم،