زر عن عبد الله بن مسعود أنه قال: إن الله يعلم كل لسان، فمن أتى منكم أعجميا، فقال له: مترس، فقد أمنه، وإن أشار إليه بالأمان، فهو أمان، لما روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء إلى مشرك، فنزل إليه، فقتله، لقتلته به، فإن قال المسلم: لم أرد به الأمان، فالقول قوله؛ لأنه أعلم بنيته، ويرد المشرك إلى مأمنه؛ لأنه نزل على أنه آمن. وإن قال له: قف، أو قم، أو ألق سلاحك، فقال أصحابنا: هو أمان؛ لأن الكافر يعتقده أمانا، فأشبه قوله: لا تخف. ويحتمل أن يرجع فيه إلى النية، فإن نوى به الأمان، كان أمانا لأنه يحتمله. وإن لم ينو، لم يكن أمانا؛ لأنه يستعمل للإرهاب والتخويف والتهديد، فلم ينصرف إلى الأمان بغير نية، وإذا اختلفا في نيته، فالقول قول المسلم، لما ذكرنا، وإن قال الكافر: أنت آمن، فرد الأمان، لم ينعقد؛ لأنه إيجاب حق بعقده، فلم يصح مع الرد، كالبيع. وإن قبله ثم رده انتقض؛ لأنه حق له، فسقط بإسقاطه، كالرق.
وأما الفعل، فإذا دخل الحربي دار الإسلام، رسولا أو تاجرا، وقد جرت العادة بدخول تجارهم إلينا، كان أمانا له، ولم يجز التعرض له؛ «لأن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لرسولي مسيلمة: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما» رواه أبو داود والنسائي بمعناه؛ ولأنهم دخلوا يعتقدون الأمان، فأشبه ما لو دخلوا بإشارة المسلم.
وإن دخل مسلم دار الحرب رسولا، أو تاجرا وقد جرت العادة بدخول تجارنا إليهم، صار في أمانهم، وصاروا في أمان منه؛ لأن الأمان إذا انعقد من أحد الطرفين، انعقد من الآخر، فلا تحل خيانتهم في أموالهم، ولا معاملتهم بالربا؛ لأن من حرم ماله عليك، ومالك عليه، حرمت معاملته بالربا، كالمسلم في دار الإسلام. وإذا أخذ المسلمون حربيا، فادعى أنه جاء مستأمنا نظرنا، فإن كان بغير سلاح، قبل قوله؛ لأن تركه السلاح دليل على قصد الأمان. وإن كان معه سلاح، لم يقبل منه، نص عليه أحمد؛ لأن حمله لآلة الحرب دليل على أنه محارب. وقال أحمد: إذا لقي الرجل العلج، فطلب منه الأمان، لم يعطه. وإن كان المسلمون جماعة أعطوه الأمان؛ لأن الواحد لا يأمن غدر العلج عند خلوته به، والجماعة يأمنون ذلك.
فصل:
ومن جاء بحربي، فادعى الحربي أنه أمنه، فأنكر المسلم، ففيه ثلاث روايات:
إحداهن: القول قول المسلم؛ لأن الأصل معه. وهو إباحة دم الحربي، وعدم الأمان.