له وإن لم يعرف، عرف ذلك، ورد إلى مأمنه، ولم يجز قتله؛ لأنه دخل على أنه بأمان.
فصل:
وللإمام عقده لجميع الكفار؛ لأن له الولاية على جميع المسلمين، وللأمير عقده لمن أقيم بإزائه؛ لأن إليه الأمر فيهم. وأما سائر الرعية، فلهم عقده للواحد، والعشرة، والحصن الصغير، لحديث عمر في أمان العبد. ولا يصح لأهل بلدة ورستاق ونحوهم؛ لأن ذلك يفضي إلى تعطيل الجهاد، والافتئات على الإمام. وللإمام والأمير أمان الأسير؛ لأن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أمن الهرمزان وهو أسير؛ ولأن له المن عليه، فالأمان أولى، وليس ذلك لغيره؛ لأن أمر الأسير إلى الإمام، فلم يجز لغيره الافتئات عليه. وذكر أبو الخطاب: أن ذلك لكل مسلم؛ لأن زينب ابنة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجارت زوجها أبا العاص بن الربيع بعد أسره، فأمضاه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فصل:
ومن طلب الأمان ليسمع كلام الله، ويعرف الشريعة، وجب أن يعطاه، ثم يرد إلى مأمنه، لقول الله سبحانه: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة: 6] . ويجوز عقده للمستأمن غير مقيد بمدة؛ لأن ذلك لا يفضي إلى ترك الجهاد. قال القاضي: يجوز أن يقيموا في دارنا مدة الهدنة، بغير جزية، وهو ظاهر كلام أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - لأن من جاز إقراره بغير جزية فيما دون السنة، جاز فيما زاد كالمرأة، وقال أبو الخطاب: عندي لا يجوز أن يقيموا سنة فصاعدا بغير جزية، لقول الله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] .
فصل:
ويحصل الأمان بما يدل عليه من قول وغيره، فالقول مثل: أمنتك، أو أنت آمن، أو أجرتك، أو أنت مجار، أو في جواري، أو في ذمتي، أو في أماني، أو في خفارتي، أو لا بأس عليك، أو لا خوف عليك، أو لا تخف، أو مترس بالفارسية، ونحو ذلك؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال يوم الفتح: «من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن» . وقال لأم هانئ: «قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت» . وقال أنس لعمر في قصة الهرمزان: ليس لك إلى قتله سبيل، قد قلت: تكلم لا بأس عليك، فأمسك عمر. وروى