تصير وقفا حتى يقفها الإمام؛ لأن الوقف لا يثبت بنفسه. وحكمها حكم العنوة إذا وقفت، وكذلك الحكم فيما صالحونا عليه، على أن الأرض للمسلمين، وتقر في أيديهم بالخراج. فأما إن صالحناهم على أن الأرض لهم، ولنا عليها الخراج، فهذه ملك لأربابها، متى أسلموا، سقط عنهم؛ لأنه بمنزلة الجزية، فيسقط بالإسلام، كالجزية. ولهم بيعها والتصرف فيها. وإن انتقلت إلى مسلم، لم يؤخذ خراجها، لما ذكرناه.
يحوز عقد الأمان لجميع الكفار وآحادهم، لقول الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . وروى علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلما، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل.» رواه البخاري.
وتصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار، ذكرا كان أو أنثى، حرا أو عبدا للخبر، وقالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين، فيجوز. وعن فضيل بن يزيد الرقاشي قال: جهز عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جيشا فكنت فيه، فحضرنا موضعا، فرأينا أنا سنفتحها اليوم، وجعلنا نقبل ونروح، فبقي عبد منا، فراطنهم وراطنوه، فكتب لهم الأمان في صحيفة، وشدها على سهم، ورمى بها إليهم، فأخذوها، وخرجوا، فكتب بذلك إلى عمر، فقال: العبد المسلم رجل من المسلمين يجوز أمانه. رواهما سعيد، ويصح أمان الأسير المسلم إذا عقده غير مكره، كذلك.
فصل:
ولا يصح من كافر، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «يسعى بها أدناهم» وليس الكافر منهم؛ ولأنه متهم في الدين. ولا من مجنون، ولا طفل؛ لأنه لا حكم لقولهما، ولا مكره؛ لأنه عقد أكره عليه بغير حق، فلم يصح، كالبيع، وفي الصبي المميز روايتان:
إحداهما: لا يصح منه؛ لأن القلم مرفوع عنه، ولا يلزمه بقوله حكم، فلا يلزم غيره كالمجنون.
والثانية: يصح، لعموم الخبر؛ ولأنه مسلم عاقل فصح أمانه، كالبالغ، فإن دخل مشرك بأمان من لا يصح أمانه، عالما بفساده، جاز قتله، وأخذ ماله؛ لأنه حربي لا أمان