القسم الثاني: ما وقفه الأئمة على المسلمين ولم يقسموه، كأرض الشام كلها، ما خلا مدنها، والعراق كله إلا ما ذكرنا منه، والجزيرة ومصر، والمغرب وسائر ما افتتح عنوة، فهذا وقفه عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن بعده من الأئمة، ولم ينقل عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا عن أحد من أصحابه - أنه قسم أرضا عنوة غير خيبر. وروى أبو عبيد بإسناده عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه قدم الجابية، فأراد قسمة الأرض بين المسلمين، فقال له معاذ: والله إذا ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها اليوم، صار الريع العظيم في أيدي القوم، ثم يبيدون، فيصير ذلك إلى الرجل الواحد، والمرأة الواحدة، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسدا، وهم لا يجدون شيئا، فانظروا أمرا يسع أولهم وآخرهم، فصار عمر إلى قول معاذ.
ولما افتتح عمرو بن العاص مصر، طلب منه الزبير قسمتها، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر: أن دعها حتى يغزو منها حبل الحبلة. وروي عن بكير بن عامر، قال: اشترى عتبة بن فرقد أرضا من أرض الخراج، فأتى عمر فأخبره، فقال عمر: ممن اشتريتها؟ قال: من أهلها، قال: فهؤلاء أهلها، للمسلمين، أبعتموه شيئا؟ قالوا: لا، قال: فاذهب فاطلب مالك.
وعن عبد الله بن المغفل أنه قال: لا تشتر من أرض السواد، إلا من أهل الحيرة، وبانقيا، وأليس. روى هذا كله أبو عبيد. وقد اشتهرت قصة عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في ضرب الخراج على أرض السواد، وإقراره في يد أهله بالخراج الذي ضربه، وجعل ذلك أجرة له، ولم يقدر مدته، لعموم المصلحة فيه، فهذا لا يجوز بيعه، ولا شراؤه، لخبر عتبة بن فرقد؛ ولأنه موقوف للمسلمين كلهم، فلم يجز بيعه، كسائر الوقوف. فأما إجارته فجائزة؛ لأنه مستأجر في أيدي أربابه بالخراج. وإجارة المستأجر جائزة. وذكر القاضي في إجارته روايتين، والصحيح ما ذكرناه. وعن أحمد - رَحِمَهُ اللَّهُ - رواية أخرى: أنه كره بيعها، وأجاز شراءها؛ لأنه استنقاذ لها، فجاز، كشراء الأسير. ومن كانت في يده أرض، فهو أحق بها بالخراج، كالمستأجر. وتنتقل إلى وارثه بعده، على وجه الذي كانت في يد موروثه. وإن آثر بها أحدا، صار الثاني أحق بها. وإن عجز رب الأرض عن عمارتها، وأداء خراجها، أجبر على رفع يده عنها، ودفعت إلى غيره؛ لأن الأرض للمسلمين، فلا يجوز تعطيلها عليهم.
فصل:
ويجب الخراج في العامر الذي يمكن زرعه، والانتفاع به، فأما الموات الذي لا يمكن زرعه، فلا خراج فيه؛ لأن الخراج أجرة الأرض، ولا أجرة لهذا. وعنه: يجب فيه الخراج إذا كان على صفة يمكن إحياؤه، ليحييه من هو في يده، أو يرفع يده عنه فيحييه غيره، وينتفع به. وما كان من الأرض لا يمكن زرعها حتى تراح عاما، وتزرع