فصل:
ومن ضل من أهل الحرب الطريق، فوقع في دار الإسلام، أو حملته الريح في المركب إلينا، أو شرد من دوابهم فحصل في أيدينا، ذكر أبو الخطاب، فيه روايتين:
إحداهما: يكون فيئا؛ لأنه مال مشرك ظهر عليه بغير قتال، أشبه ما تركوه فزعا وهربوا.
والثانية: هو لمن أخذه؛ لأنه مباح ظهر عليه بغير جهاد، فكان لآخذه كمباحات دار الإسلام. وقد روي عن أحمد فيمن ضل الطريق منهم، فدخل إلى قرية، قال: هو لأهل القرية كلهم، وقال في عبد أبق إلى أرض الروم، ثم رجع ومعه متاع: فالعبد لمولاه، وما معه من المتاع والمال فهو للمسلمين. قال القاضي: هذا على الرواية التي تجعل غنيمة الذين دخلوا أرض الحرب بغير إذن الإمام فيئا، فأما على الرواية الأخرى، فيكون المال لسيده؛ لأنه كسب عبده، وفي تخميسه روايتان. ولو أسر الكفار رجلا، فغنم منهم شيئا، وخرج به إلى دار الإسلام، كان له؛ لأنه كسبه، ويحتمل أن يجب فيه الخمس؛ لأنه غنيمة. وقد روى الأوزاعي أنه لما أقفل عمر بن عبد العزيز الجيش الذين كانوا مع مسلمة، كسر مركب بعضهم، فأخذ المشركون ناسا من القبط، فكانوا خدما لهم ثم خرجوا إلى عبد لهم، وخلف القبط في مركبهم، ورفع القبط القلع، وفي المركب متاع الآخرين وسلاحهم، فلم يضعوا قلعهم حتى أتوا بيروت، فكتب في ذلك إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب إليهم عمر: نفلوهم القلع وكل شيء جاءوا به، إلا الخمس. رواه سعيد. ويحتمل أن يكون فيئا، استدلالا بقول عمر: نفلوهم الذي جاءوا به، ولو كان لهم، لم يكن نفلا.
الأرض التي بأيدي المسلمين تنقسم قسمين:
أحدهما: ما هو مملوك لأهله، لا خراج عليه، وهو ما أسلم عليه أهله، كأرض مدينة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أو غنمه المسلمون فقسم بينهم، كأرض خيبر التي قسمها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين أصحابه الذين افتتحوها، أو ما صالح أهله على أن الأرض لهم، كأرض اليمن، والحيرة وبانقيا، وأليس من العراق، أو ما أحياه المسلمون من موات الأرض، كأرض البصرة، كانت سبخة، فأحياها عتبة بن غزوان، وعثمان بن أبي العاص، فهذا ملك لأهله، لهم التصرف فيه، بالبيع وسائر التصرفات؛ لأنه مملوك لهم، أشبه الثياب والسلاح.