عاما، فخراجها على النصف من خراج غيرها؛ لأن نفعها على النصف، وحكم الخراج حكم الدين يطالب به الموسر، وينظر به المعسر؛ لأنه أجرة، فأشبه أجرة المساكن. وإن رأى الإمام المصلحة في ترك خراج إنسان له، أو تخفيفه، جاز له؛ لأنه فيء، فكان النظر فيه إلى الإمام. ويجوز لصاحب الأرض أن يرشو العامل، ليدفع عنه الظلم في خراجه؛ لأنه يتوصل بماله إلى كف اليد العادية عنه. ولا يجوز له ذلك، ليدع له من خراجه شيئا؛ لأنه رشوة، لإبطال حق، فحرمت على الآخذ والمعطي، كرشوة الحاكم، ليحكم له بغير الحق.
فصل:
ولا يسقط خراج هذه الأرض بإسلام أهلها، أو انتقالها إلى مسلم؛ لأنه أجرة، فأشبه أجرة المساكن. قال أحمد: ما كان من أرض عنوة، ثم أسلم صاحبها، وضعت عنه الجزية وأقر على أرض الخراج. وقال أيضا: أرض أهل الذمة فيها الخراج، فإن اشتراها المسلم، ففيها الخراج؛ لأنه حق على الأرض. قال: ويكره للمسلم أن يشتري من أرض الخراج والمزارع؛ لأن في الخراج معنى الذلة، وبهذا وردت الأخبار عن عمر وغيره. ومعنى الشراء هاهنا: أن يتقبل الأرض بما عليها من خراجها؛ لأن شراء هذه الأرض غير جائز، أو يكون على الرواية التي أجاز شراءها، لكونه استنقاذا لها، فهو كاستنقاذ الأسير.
فصل:
ويعتبر الخراج بما تحمله الأرض من القليل والكثير، والمرجع فيه إلى اجتهاد الإمام، في إحدى الروايات، وهي اختيار الخلال وعامة شيوخنا؛ لأنها أجرة، فلم تتقدر بمقدار ما لا يختلف، كأجرة المساكن.
والثانية: يرجع فيه إلى ما فرض عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، لا تجوز الزيادة عليه، ولا النقصان منه؛ لأن اجتهاد عمر أولى من قول غيره.
والثالثة: تجوز الزيادة عليه، ولا يجوز النقصان، لما روى عمرو بن ميمون: أنه سمع عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول لحذيفة، وعثمان بن حنيف: لعلكما حملتما الأرض ما لا تطيق، فقال عثمان: والله لئن زدت عليهم، لا تشق عليهم ولا تجهدهم. فدل على إباحة الزيادة ما لم يجهدهم.
واختلف عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قدر الخراج، إلا أنه روي عن عمرو بن ميمون: أنه وضع على كل جريب، من أرض السواد قفيزا ودرهما. قال أحمد: أعلى وأصح حديث في أرض السواد، حديث عمرو بن ميمون في الدرهم والقفيز. وهذا يدل على أنه أخذ به.