وإن أسلم أهل الحصن قبل فتحه، عصموا دماءهم وأموالهم؛ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» .
وإن طلبوا النزول على حكم حاكم، جاز؛ «لأن بني قريظة حين حصرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم: بقتل مقاتليهم، وسبي ذراريهم، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة.
» ويجب أن يكون الحاكم بالغا عاقلا حرا مسلما ذكرا عدلا عالما؛ لأنه ولاية حكم، فأشبه ولاية القضاء، ولا يشترط أن يكون بصيرا؛ لأن الذي يقتضي الحكم فيهم هو الذي يشتهر من حالهم، وذلك يُدرك بالسمع، فأشبه الشهادة فيما طريقه السمع.
ويكره أن يكون حسن الرأي فيهم؛ لأنه يخشى ميله إليهم. ويجوز حكمه؛ لأنه عدل في دينه. فإن نزلوا على حكم من يختاره الإمام، جاز؛ لأنه لا يختار إلا من يجوز حكمه. ولا يجوز أن ينزلوا على حكم من يختارونه؛ لأنهم قد يختارون من لا يصلح. ويجوز أن ينزلوا على حكم اثنين، أو أكثر؛ لأنه تحكيم في مصلحة طريقها الرأي، فأشبه التحكيم في اختيار الإمام. وإن نزلوا على حكم من لا يجوز حكمه، أو حكم من يجوز، فمات قبل الحكم، وجب ردهم إلى حصنهم؛ لأنهم نزلوا على أمان، فلا يجوز أخذهم، ولا يجوز للحاكم الحكم إلا بما فيه الحظ للمسلمين؛ لأنه نائب الإمام، فقام مقامه في اختيار الأحظ من الأمور الأربعة. فإن حكم بالمن، فقال القاضي: يلزم حكمه كذلك. وقال أبو الخطاب: لا يلزم؛ لأن الإمام إذا لم يره، تبين أنه لا حظ فيه، فلم يلزم حكمه به. فإن حكم بعقد الذمة، ففيه وجهان:
أحدهما: يلزم حكمه؛ لأنهم رضوا بحكمه.
والثاني: لا يجوز؛ لأنه عقد معاوضة، فلم يجز إلا برضا الفريقين، فإن حكم بالقتل والسبي، جاز؛ لأن سعدا حكم به في بني قريظة، فصادف حكم الله تعالى.
وللإمام أن يمن على من حكم عليه بالقتل؛ لأن ثابت بن قيس بن شماس سأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يهب له الزبير بن باطا اليهودي بعد الحكم عليهم، فوهبه له، وأطلق له أهله وماله.
وإن حكم باسترقاقهم، لم يجز أن يمن عليهم، إلا برضا الغانمين؛ لأنهم صاروا مالا لهم. وإن حكم بالقتل فأسلموا، عصموا دماءهم؛ لأن قتل المسلم حرام، ولم يعصموا أموالهم؛ لأنها صارت للمسلمين قبل إسلامهم. وفي استرقاقهم روايتان: