فصل
ويقاتل كل قوم من يليهم من العدو؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: 123] ولأنهم أهم، فتجب البداءة بهم، إلا أن تدعو الحاجة إلى البداءة بغيرهم. إما لانتهاز فرصة فيهم أو خوف الضرر بتركهم، أو لمانع من قتال الأقرب، فيبدأ بالأبعد لذلك، ويستحب التحريض على القتال؛ لقول الله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 84] ويستحب ذكر الله، والدعاء؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] ، ويستحب أن يدعو الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم؛ لما روى سهل بن سعد الساعدي قال: «قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي كرم الله وجهه يوم خيبر: إذا نزلت بساحتهم فادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لأن يهدي الله بهداك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» متفق عليه. ولا تجب الدعوة. نص عليه أحمد. وقال: إن الدعوة قد بلغت كل أحد، ولا أعرف اليوم أحداً يدعى، إنما كانت الدعوة في أول الإسلام. وقد روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أغار على بني المصطلق وهم غارون آمنون، وإبلهم تسقى على الماء، فقتل المقاتلة، وسبى الذرية.» متفق عليه، وإن اتفق في الجزائر البعيدة، من لم تبلغه الدعوة، وجبت دعوته؛ لقول الله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] . فلا يجوز قتالهم على ما لا يلزمهم.
فصل
ولا يحل لمسلم أن يهرب من كافرين، ولا لجماعة أن يفروا من مثليهم؛ لقول الله تعالى {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} [الأنفال: 66] . وهذا أمر بلفظ الخبر؛ لأنه لو كان خبراً بمعناه، لم يكن تخفيفاً، ولوقع الخبر بخلاف المخبر، والأمر يقتضي الوجوب {إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ} [الأنفال: 16] وهو أن ينصرف من ضيق إلى سعة، أو من سفل إلى علو، أو من مكان منكشف إلى مستتر، أو من استقبال ريح أو شمس إلى استدبارهما، ونحو ذلك مما هو أمكن له في القتال {أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16] ينضم إليهم ليقاتل معهم؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15] {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [الأنفال: 16] .