وسواء قربت الفئة أو بعدت؛ لما «روى ابن عمر: أنه كان في سرية من سرايا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فحاص المسلمون حيصة عظيمة، وكنت فيمن حاص، فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف، وبؤنا بغضب من الله؟! فجلسنا لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا فقلنا له: نحن الفرارون. فقال: لا بل أنتم العكارون أنا فئة كل مسلم» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن. وعن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: أنا فئة كل مسلم، وقال: لو أن أبا عبيد تحيز إلي، لكنت له فئة وكان أبو عبيد بالعراق. وإن كان العدو أكثر من المثلين، لم تجب مصابرتهم؛ لأن الله تعالى لما فرض مصابرة المثلين، دل على إباحة الفرار من الزائد عليهما. وقال ابن عباس: من فر من اثنين، فقد فر. ومن فر من ثلاثة، فما فر. لكن إن غلب على ظنهم الظفر، فالأولى لهم الثبات، ليحصل لهم الأجر والغنيمة ومسرة المسلمين بظفرهم. وإن غلب على ظنهم الهلاك بالإقامة، والنجاة في الفرار. فالفرار أولى؛ لئلا يكسروا قلوب المسلمين بهلاكهم. وإن ثبتوا جاز؛ لأن لهم غرضاً في الشهادة. وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة والانصراف، فالأولى الثبات؛ ليحصل لهم ثواب الشهداء الصابرين المقبلين؛ ولأنه يجوز أن يظفروا فيسلموا ويغنموا، فإن الله تعالى يقول: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] وإن خشوا الأسر، قاتلوا حتى يقتلوا لينالوا شرف الشهادة، ولا يتسلط الكفار على إهانتهم وتعذيبهم. وإن استأسروا جاز؛ لأن عاصم بن ثابت وخبيب بن عدي وزيد بن الدثنة في عشرة رهط كانوا سرية لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فنفرت إليهم هذيل بقريب من مائة رجل رام، فعرضوا عليهم أن يستأسروا فأبوا، فقتلوا عاصماً في سبعة، ونزل إليهم خبيب وزيد على العهد والميثاق، فلم يذم أحداً منهم. وإن ألقى الكفار ناراً في سفينة فيها مسلمون، فما غلب على ظنهم السلامة فيه، فالأولى فعله؛ لأن فيهم صيانتهم عن الهلاك. وإن ثبتوا جاز. قال أحمد: كيف شاء صنع. وإن تساوى الأمران، فهم بالخيار بين المقام بالسفينة، وإلقاء نفوسهم في الماء؛ لأنهما موتتان، فيختار أيسرهما. وعنه: أنه يلزمهم المقام، لئلا يكون موته بفعله، فيكون معيناً على نفسه.
يجب عليه أن يشحن ثغور المسلمين بجيوش يكفون من يليهم، ويقويها بالعدد، والآلات ويؤمر عليهم أميراً ذا رأي، وشجاعة، ودين؛ لأنه إذا لم يفعل، لم يأمن