وغزو البحر أفضل من غزو البر؛ لما روى أبو داود عن أم حرام عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «المائد في البحر الذي يصيبه القيء، له أجر شهيد، والغرق له أجر شهيدين» وروى ابن ماجه بإسناده عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «شهيد البحر مثل شهيدي البر، والمائد في البحر، كالمتشحط في دمه في البر، وما بين الموجتين، كقاطع الدنيا في طاعة الله، وإن الله وكل ملك الموت بقبض الأرواح، إلا شهيد البحر، فإنه يتولى قبض أرواحهم، ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها، إلا الدين، ولشهيد البحر الذنوب والدين» ولأن غزو البحر أعظم خطراً، فإنه بين خطر القتل والغرق، ولا يمكنه الفرار دون أصحابه.

فصل:

وفي الرباط فضل عظيم: وهو المقام بالثغر مقوياً للمسلمين. والثغر: كل مكان يخيف العدو ويخافه. قال أحمد: ليس يعدل الرباط والجهاد شيء. وعن سلمان قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه فإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان» أخرجه مسلم.

وعن عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: «رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل» . حديث صحيح. وليس لأقله وأكثره حد، وتمامه أربعون يوماً؛ لأنه يروى عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «تمام الرباط أربعون يوماً» أخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب. ويروى ذلك عن ابن عمر وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وأفضل الرباط المقام بأشد الثغور خوفاً؛ لأنه أنفع للمسلمين، وأشد خطراً، ولا يستحب نقل أهله إلى الثغر المخوف. نص عليه أحمد وقال: أخاف عليه الإثم؛ لأنه يعرض ذريته للمشركين. وقد قال عمر: لا تنزلوا المسلمين ضفة البحر. ويستحب لأهل الثغر أن يجتمعوا في المسجد الأعظم لصلواتهم، ليكون أجمع لهم إذا حضر النفير. فيبلغ الخبر جميعهم، وتراهم عين الكفار، فتخافهم وتخوف منهم. قال الأوزاعي: لو أن لي ولاية على المساجد، يعني التي في الثغر، لسمرت أبوابها، يريد أن تكون صلاتهم في موضع واحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015