تعالى، كالسفر لطلب العلم الواجب الذي لا يقدر على تحصيله في بلده، ونحو ذلك. وإن أراد سفراً غير واجب، فمنعاه منه، لم يجز له؛ لما روي عن عبد الله بن عمرو قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: جئت أبايعك على الهجرة، وتركت أبوي يبكيان، قال: ارجع إليهما فأضحكهما، كما أبكيتهما» . من المسند.
فصل:
ولا يجوز لمن عليه دين الجهاد إلا بإذن غريمه إلا أن يقيم به كفيلاً، أو يعطي به رهناً، أو يكون له من يقضيه عنه؛ لما روى أبو قتادة «أن رجلاً جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، إن قتلت في سبيل الله، كفر الله خطاياي؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلا غير مدبر كفر الله عنك خطاياك، إلا الدين كذلك قال جبريل» رواه مسلم؛ ولأن فرض أداء الدين متعين عليه، فلا يجوز تركه لفرض على الكفاية يقوم غيره فيه مقامه.
والمؤجل، كالحال؛ لأنه يعرض نفسه للقتل، فيضيع الحق. فإن كان له مال غائب، فهو كالمعسر؛ لأنه قد يتلف، فيضيع الحق. وإن تعين عليه الجهاد، فلا إذن لغريمه؛ لما ذكرنا في الوالدين. وإن أذن له الغريم، جاز له الجهاد؛ لأن الحق له، فجاز بإذنه. فإن رجع عن الإذن، أو أذن له أبواه في الغزو، ثم رجعا، أو كانا كافرين فأسلما، أو رقيقين فعتقا قبل التقاء الزحفين، لم يجز الخروج إلا بإذن مستأنف. وإن كان بعده، فلا إذن لهما؛ لأنه صار متعيناً، فقدم؛ لما ذكرناه.
فصل:
وأفضل التطوع الجهاد في سبيل الله، نص عليه أحمد، وذكر له أمر الغزو، فجعل يبكي ويقول: ما من أعمال البر أفضل منه، وأي عمل أفضل منه؟ والذين يقاتلون في سبيل الله: هم الذين يدفعون عن الإسلام، وعن حريمهم، وقد بذلوا مهج أنفسهم، الناس آمنون، وهم خائفون. وقد روى أبو سعيد الخدري قال: «قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله» . متفق عليه. وعن أبي هريرة قال: «سئل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أي الأعمال أفضل؟ أو أي الأعمال خير؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم أي؟ قال: الجهاد سنام العمل، قيل: ثم أي؟ قال: ثم حج مبرور» حديث صحيح؛ ولأن نفعه عظيم، وخطره كبير، فكان أفضل مما دونه.