الآية.

الثاني: إذا نزل الكفار ببلد المسلمين، تعين على أهله قتالهم، والنفير إليهم، ولم يجز لأحد التخلف، إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ الأهل، والمكان، والمال، ومن يمنعه الأمير الخروج؛ لقول الله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا} [التوبة: 41] ولأنهم في معنى حاضر الصف، فتعين عليهم، كما تعين عليه.

فصل

وأقل ما يفعل الجهاد مرة في كل عام؛ لأن الجزية تجب على أهل الذمة في كل عام مرة، وهي بدل عن النصرة، فكذلك مبدلها، وهو الجهاد، إلا لعذر من ضعف بالمسلمين، أو انتظار مدد، أو مانع في الطريق من قلة علف أو غيره، أو طمعه في إسلامهم بتأخير قتالهم، ونحو هذا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد صالح قريشاً عشر سنين، وأخر قتالهم حتى نقضوا عهده، وإن دعت الحاجة إلى فعله في العام أكثر من مرة، وجب؛ لأنه فرض كفاية، فكان على حسب الحاجة.

فصل:

ومن كان أحد أبويه مسلماً، لم يجز له الجهاد إلا بإذنه؛ لما روى ابن العباس قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله أجاهد؟ قال: لك أبوان قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد» ، قال الترمذي: هذا حديث صحيح؛ ولأن الجهاد فرض كفاية، وبرهما فرض عين، فوجب تقديمه. فإن كانا كافرين، فلا إذن لهما؛ لأن أبا بكر الصديق، وأبا حذيفة بن عتبة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وغيرهما كانوا يجاهدون بغير إذن آبائهم، ولأنهما متهمان في الدين. وإن كانا رقيقين، ففيه وجهان:

أحدهما: يعتبر إذنهما؛ لأنهما كالحرين في البر والشفقة والدين.

والثاني: لا إذن لهما؛ لأنه لا ولاية لهما، ولا نفقة ولا إذن لهما في أنفسهما، ففي غيرهما أولى، ولا إذن لغيرهما من الأقارب، كالجدين، وسائر الأقارب؛ لأن الشرع لم يرد بذلك، ولا هو في معنى المنصوص عليه، لتأكيد حرمة الوالدين في البر، والتقديم في الإرث، والنفقة، والحجب، والولاية وغيرها. ومتى تعين الجهاد، فلا إذن لأبويه، لأنه صار فرض عين، فلم يعتبر إذنهما فيه، كالحج الواجب. وكذلك كل الفرائض، لا طاعة لهما في تركه؛ لأن تركه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015