عدم إمكان القتال، وإن لم يمنعه من ذلك، لم يسقط عنه فرضه، ويجب على الأعشى الذي يبصر في النهار دون الليل، وعلى الأعور؛ لأنهما يتمكنان من القتال. ولا يجب على أقطع اليد، أو الرجل؛ لأنه إذا سقط عن الأعرج، فالأقطع أولى، ولأنه يحتاج إلى الرجلين في المشي، واليدين ليتقي بأحدهما، ويضرب بالأخرى، والأشل، كالأقطع. ومن أكثر أصابعه ذاهب، أو إبهامه، أو ما لا تبقى منفعة إليه بعد ذهابه، فهو كالأقطع كذلك. ومن كان عرجه يسيراً أو مرضه يسيراً، لا يمنعه الركوب والمشي، والعدو والقتال، لم يسقط عنه الجهاد؛ لأنه متمكن منه.
الثالث: الحرية. فلا يجب على العبد؛ لقوله سبحانه: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] . والعبد لا يجد ما ينفق، ولأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة، فلم يجب على العبد كالحج.
الرابع: الذكورية: فلا يجب على المرأة؛ لما روي «عن عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أنها قالت: قلت: يا رسول الله، هل على النساء جهاد؟ قال: جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة» ولأن الجهاد القتال، والمرأة ليست من أهله لضعفها وخورها. ولا يجب على خنثى مشكل؛ لأنه لا يعلم كونه رجلاً.
الخامس: الاستطاعة؛ لقول الله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] ؛ ولأنه يحتاج إلى قطع مسافة، فأشبه الحج. وإن كان القتال قريباً من البلد، لم يشترط ذلك؛ لأنه لا يحتاج إلى ركوب، ولا نفقة طريق، والاستطاعة: وجدان الزاد، والسلاح، وآلة القتال، ومركوب يبلغه إذا كان على مسافة القصر؛ لقول الله تعالى: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة: 92] .
فصل
ويتعين الجهاد في موضعين:
إحداهما: إذا التقى الزحفان، تعين الجهاد على من حضر؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45] . وقوله سبحانه: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} [الأنفال: 15]