فصل

والحد في القذف والتعزير الواجب بما دونه حق للمقذوف، يستوفى إذا طالب، ويسقط إذا عفا عنه؛ لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم، كان إذا خرج يقول: تصدقت بعرضي» والصدقة بالعرض لا تكون إلا بالعفو عما يجب له، ولأنه جزاء جناية عليه لا يستوفى إلا بمطالبته، فكان له، كالقصاص. وعنه: أنه حق لله تعالى؛ لأنه حد فكان حقاً لله كسائر الحدود. فعلى هذا لا يستوفى إلا بمطالبة الآدمي، ولا يسقط بعد وجوبه بالعفو، كالقطع في السرقة. ولو قال لغيره: اقذفني، فقذفه، لم يجب الحد؛ لأنه إذن في سبه، فلم يوجب الحد كالقصاص، والقطع في السرقة.

فصل

وإن جن من له الحد، لم يكن لوليه المطالبة به؛ لأنه يجب للتشفي، ودرك الغيظ، فأخر إلى الإفاقة، كالقصاص. وإن قذف مملوكاً، فالطلب بالتعزير والعفو عنه له، دون سيده؛ لأنه ليس بمال، ولا بدل مال، فأشبه فسخ النكاح للمعتقة تحت العبد. وإن مات العبد، سقط؛ لأنه لو ملكه السيد بحق الملك، لملكه في حياته، والعبد لا يورث. وإن سمع الإمام رجلاً يقذف آخر في حضرته، أو غيبته، لم يلزمه أن يسأله عن ذلك ويحققه؛ لأن القذف لا يوجب حداً حتى يطالب به صاحبه، ولأن الحدود تدرأ بالشبهات فلا يجب المبالغة في إثباتها.

فصل

ومن قذف جماعة لا يتصور الزنا من جميعهم، كأهل البلدة الكبيرة، فلا حد عليه؛ لأنه لا عار على المقذوف بذلك، للقطع بكذب القاذف، وإن قذف جماعة يمكن زناهم بكلمات، فعليه لكل واحد حد. وإن قذفهم بكلمة واحدة. ففيه ثلاث روايات:

إحداهن: عليه حد واحد؛ لأن كلمة القذف واحدة، فلم يجب بها أكثر من حد واحد، كما لو كان المقذوف واحداً، ولأنه بالحد الواحد يظهر كذبه، ويزول عار القذف عن جميعهم، فعلى هذا إن طلبه الجميع أقيم لهم، وإن طلبه واحد، أقيم له، أيضاً، ولا مطالبة لغيره. وإن أسقط أحدهم حقه، لم يسقط حق غيره؛ لأنه ثابت لهم على سبيل البدل، فأشبه ولاية النكاح.

والثاني: عليه لكل واحد حد؛ لأنه قذفه، فلزمه الحد له، كما لو قذفه بكلمة مفردة.

والثالث: إن طلبوه جملة، فحد واحد؛ لأنه يقع استيفاؤه لجميعهم. وإن طلبوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015