وجعلت له قروناً، ونكست رأسه، أو يقول لمن يخاصمه: يا حلال ابن الحلال ما يعرفك الناس بالزنا، ما أنا بزان، ولا أمي بزانية، فهذا ليس صريح في القذف؛ لأنه يحتمل الفجور، والخبث بغير الزنا. والقحبة المتعرضة للزنا وإن لم تفعله، والمخنث المتطبع بطباع التأنيث، وسائر ما ذكرنا يحتمل غير الزنا، فلم يجب به الحد مع الاحتمال.
وعنه: أن الحد يجب بذلك كله؛ لما روى سالم عن أبيه: أن رجلاً قال: ما أنا بزان، ولا أمي بزانية، فجلده عمر الحد. وروى الأثرم: أن عثمان جلد رجلاً قال لآخر: يا ابن شامة الوذر، يعرض بزنا أمه؛ ولأن هذه الألفاظ يراد بها القذف عرفاً فجرت مجرى الصريح، ولأن الكناية مع القرينة كالصريح في إفادة الحكم، بدليل الطلاق والعتاق، كذا هاهنا. وفيما إذا قال: يا نبطي قد نفاه عن نسبه، فيكون قاذفاً لأمه أو لإحدى جداته. وإن قال لثابت النسب: لست بابن فلان، فهو قذف لأمه في الظاهر من المذهب؛ لما روي عن ابن مسعود أنه قال: لا حد إلا في اثنين، قذف محصنة، أو نفي رجل عن أبيه؛ ولأنه لا يكون لغير أبيه إلا بزنا أمه. ويحتمل ألا يكون قذفاً؛ لأنه يحتمل أنه لا تشبهه في كرمه وأخلاقه.
وإن كان الولد منفياً باللعان، فليس بقذف؛ لأن الشرع نفاه. وإن قال لابنه: لست بابني، فقال القاضي: ليس بقذف؛ لأن الإنسان يغلظ لولده في القول تأديباً.
فصل
ومن قال لامرأة: أكرهت على الزنا، فلا حد عليه؛ لأنه لم يقذفها بالزنا وعليه التعزير؛ لأنه ألحق بها العار. وكل موضع لا يجب فيه الحد مما ذكرنا، يوجب التعزير؛ لأنه أذى لمن لا يحل أذاه. وإذا تقاصر عن الحد، أوجب التعزير، كالزنا فيما دون الفرج.
فصل
وحد القذف ثمانون جلدة إن كان القاذف حراً؛ لقول الله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] وإن كان عبداً، فأربعون؛ لما روى يحيى بن سعيد الأنصاري قال: ضرب أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم مملوكاً افترى على حر ثمانين، فبلغ عبد الله بن عامر بن ربيعة، فقال: أدركت الناس زمن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلى اليوم، فما رأيت أحدا ضرب المملوك المفتري ثمانين قبل أبي بكر بن محمد بن عمرو؛ ولأنه حد يتبعض. فكان المملوك على النصف من الحر، كحد الزنا. وإن كان القاذف بعضه حر، فعليه بالحساب لما ذكرنا.