استتابة للخبر، ولأنه يروى: أن معاذًا قدم على أبي موسى، وعنده رجل محبوس على الردة، فقال معاذ: لا أنزل حتى يقتل فقتل. والأول ظاهر المذهب؛ لما روى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري، عن أبيه: أنه قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى، فقال له عمر: هل من مغربة خبر؟ قال: نعم. رجل كفر بعد إسلامه، فقال: ما فعلتم به؟ قال: قدمناه، فضربنا عنقه، قال عمر: فهل حبستموه ثلاثًا فأطعمتموه كل يوم رغيفًا واستتبتموه لعله يتوب، أو يراجع أمر الله؟ اللهم إني لم أحضر، ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني، ولو لم تجب الاستتابة، لما تبرأ من فعلهم ولأن الردة في الغالب إنما تكون لشبهة عرضت له، فإذا تأنى عليه، وكشفت شبهته، رجع إلى الإسلام، فلا يجوز إتلافه مع إمكان استصلاحه، فعلى هذا يضيق عليه في مدة الاستتابة ويحبس، ويدعى إلى الإسلام، وتكشف شبهته، ويبين له فساد ما وقع له، فإن قتل قبل الاستتابة، لم يجب ضمانه؛ لأن عصمته قد زالت بردته، وإن ارتد وهو سكران، لم يقتل قبل إفاقته؛ لأنه لا يمكن إزالة شبهته في حال سكره، فإذا صحا، وتمت له ثلاثة أيام من وقت ردته، قتل وإن ارتد صبي، لم يقتل قبل بلوغه؛ لأن القتل عقوبة متأكدة، فلا تشرع في حق الصبي، كالحد، وإذا بلغ، استتيب ثلاثًا؛ لأن البلوغ مظنة كمال العقل، فاعتبرت الاستتابة فيه، فإن لم يتب قتل، وإن ارتد عاقل فجن، لم يقتل في جنونه؛ لأن القتل يجب بالإصرار على الردة، والمجنون لا يوصف بالإصرار، ومن قتل أحد هؤلاء، عزر؛ لارتكابه القتل المحرم ولم يضمن؛ لأنه قتل كافرًا لا عهد له، فأشبه قتل نساء أهل الحرب.

فصل

فإذا تاب المرتد قبلت توبته، وخلي سبيله؛ لقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] إلى قوله: {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] ، وروى أنس: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها» ، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كف عن المنافقين حين أظهروا الإسلام مع إبطانهم الكفر، وعن أحمد: أنه لا تقبل توبة الزنديق المستسر بكفره؛ لأنه كان مستسرًا به دهره، فلا يزيد بتوبته عن الاستسرار الذي كان قبل الظهور عليه، ولا توبة من تكررت ردته؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} [النساء: 137] .

وقال أحمد: لا تقبل توبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015