فناداه رجل من الخوارج: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] ، فأجابه علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60] ولم يعزره، فأما من ذهب من أصحابنا إلى تكفيرهم، فإنهم متى أظهروا رأي الخوارج استتيبوا، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم، كسائر المرتدين.
فصل
وإن اقتتلت طائفتان، لطلب ملك أو رئاسة أو عصبية، ولم تكن إحداهما في طاعة الإمام، فهما ظالمتان، يلزم كل واحدة منهما ضمان ما أتلفت على الأخرى، فإن كانت إحداهما في طاعة الإمام تقاتل بأمره، فهي المحقة، وحكم الأخرى حكم من يقاتل الإمام؛ لأنهم يقاتلون من أذن له الإمام، فأشبه المقاتل لجيشه.
وهو: الراجع عن دين الإسلام، ولا يصح الإسلام والردة إلا من عاقل، فأما المجنون والطفل، فلا يصح إسلامهما ولا ردتهما؛ لأنه قول له حكم، فلا يصح منهما، كالبيع وغيره من العقود، وأما الصبي المميز، فيصح إسلامه وردته؛ لأن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أسلم وهو ابن سبع، فصح إسلامه، وثبت إيمانه، وعد بذلك سابقًا؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه حتى يعرب عنه لسانه، فإما شاكرًا، وإما كفورًا» ، ولأن الإسلام عبادة محضة، فصح منه، كالصلاة والحج، ومن صح إسلامه صحت ردته، كسائر الناس.
وعنه: لا تصح ردته؛ لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «رفع القلم عن ثلاثة» ، ولأنه قول يثبت به عقوبة، فلم يصح منه، كالإقرار بالحد، واختلف في السن المعتبرة لصحة إسلامه وردته، فقال الخرقي: هي عشر سنين؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بضربهم على الصلاة والتفريق بينهم في المضاجع لعشر، وعن أحمد: أنه إذا كان ابن سبع سنين، صح إسلامه؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مروهم بالصلاة لسبع» ، وعن عروة: أن عليًا والزبير أسلما وهما ابنا ثمان سنين، ولأنه تصح عباداته، فصح إسلامه كابن عشر، وفي ردة السكران روايتان، كطلاقه.