شرط للقضاء، وليس هذا بعدل، وإن كان عدلًا مجتهدًا، نفذ من حكمه ما ينفذ من حكم قاضي الإمام، ورد منه ما يرد منه؛ لأن له تأويلًا يسوغ فيه الاجتهاد، فأشبه قاضي أهل العدل، وإن كتب إلى قاضي أهل العدل، استحب ألا يقبل كتابه كسرًا لقلوبهم، فإن قبله جاز؛ لأن حكمه ينفذ، فجاز قبول كتابه، كقاضي الإمام.
فصل
وإن استولوا على بلد، فأقاموا الحدود، وأخذوا الزكاة والخراج والجزية احتسب به؛ لأن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يتتبع ما فعله أهل البصرة وأخذه. وكان ابن عمر يدفع زكاته إلى ساعي نجدة الحروري، ومن ادعى دفع زكاته إليهم، قبل منه، ولم يستحلف؛ لأن الناس لا يستحلفون على صدقاتهم، ومن ادعى من أهل الذمة دفع جزيته إليهم، لم يقبل إلا ببينة؛ لأنها عوض، فأشبهت الأجرة، ومن ادعى دفع خراجه إليهم، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يقبل؛ لأنه أجرة للأرض، فأشبه أجرة الدار، ولأنه خراج أشبه الجزية.
والثاني: يقبل قوله؛ لأن الدافع مسلم، فقبل قوله في الدفع كالزكاة.
فصل
وإن أظهر قوم رأي الخوارج، ولم يخرجوا عن قبضة الإمام، فقال أبو بكر: لا يتعرض لهم؛ لأن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سمع رجلًا يقول: لا حكم إلا لله - تعريضًا به في التحكيم - فقال: كلمة حق أريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا، ولا نبدأكم بقتال. وحكمهم في ضمان النفس والمال والحد حكم أهل العدل؛ لأن ابن ملجم جرح عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال: أطعموه واسقوه واحبسوه، فإن عشت فأنا ولي دمي، أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت، وإن مت قتلتموه، ولا تمثلوا به، ولا يتحتم القصاص إذا قتلوا مسلمًا؛ لقول علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وإن شئت عفوت، وفيه وجه آخر أنه يتحتم؛ لأنه قتل بإشهار السلاح في غير المعركة، فتحتم قتله، كقاطع الطريق، وإن سبوا الإمام أو غيره من أهل العدل، عزروا؛ لأنه محرم لا حد فيه، ولا كفارة، فشرع التعذير فيه، وإن عرضوا بالسب، ففيه وجهان:
أحدهما: يعزرون كيلا يصرحوا به ويخرقوا الهيبة.
والثاني: لا يعزرون؛ لما روي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه كان في صلاة الفجر،