بكراعهم وسلاحهم من غير ضرورة لذلك، فإن دعت إليه ضرورة جاز، كما يجوز أكل مال الغير في المخمصة.
فصل
ومن أتلف من الفريقين على الآخر مالًا أو نفسًا في غير القتال ضمنه؛ لأن تحريم ذلك كتحريمه قبل البغي، فكان ضمانه كضمانه قبل البغي، وما أتلف أحدهما على الآخر حال الحرب بحكم القتال من نفس أو مال لم يضمنه؛ لما روى الزهري قال: كانت الفتنة العظمى، وفيهم البدريون، وأجمعوا على أن لا يجب حد على رجل ارتكب فرجًا حرامًا بتأويل القرآن، ولا يقتل رجل سفك دمًا حرامًا بتأويل القرآن، ولا يغرم مالًا أتلفه بتأويل القرآن، ولأن العادل مأمور بإتلافه فلم يضمنه، كما لو قتل الصائل عليه، والبغاة: طائفة ممتنعة بالحرب بتأويل، فلم تضمن ما أتلفت على الأخرى بحكم الحرب، كأهل العدل، ولأن تضمينهم ذلك يفضي إلى تنفيرهم عن الطاعة فسقط، كأهل الحرب، وعنه: يلزم البغاة الضمان؛ لأنهم أتلفوه بغير حق، فضمنوه كقطاع الطريق.
فصل
وإن استعان أهل البغي بأهل الحرب، فأمنوهم بشرط المعاونة، لم ينعقد أمانهم؛ لأن من شرط الأمان ألا يقاتلوا المسلمين، فلم ينعقد بدون شرطه وإن أعانوهم، فلأهل العدل قتلهم، وغنيمة أموالهم، كما قبل الاستعانة، ولا يجوز لأهل البغي قتلهم، ولا يحل لهم مالهم؛ لأنهم أمنوهم، فلزمهم الوفاء به، وإن استعانوا بأهل الذمة، فقاتلوا معهم طائعين عالمين بتحريم ذلك، فيه وجهان:
أحدهما: ينتقض عهدهم؛ لأنهم قاتلوا المسلمين من غير عذر، فانتقض عهدهم، كما لو كانوا منفردين.
والثاني: لا ينتقض عهدهم؛ لأنهم تابعون لأهل البغي، فعلى هذا حكمهم حكم البغاة في قتل مقاتلتهم دون مدبرهم وأسيرهم، وتذفيف جريحهم، ولكنهم يضمنون ما أتلفوا من نفس أو مال، في الحرب وفي غيره؛ لأن سقوط التضمين عن البغاة كيلا يفضي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة، ولا يخاف تنفير أهل الذمة، وإن قالوا: كنا مكرهين، أو ظننًا أنه يجوز لنا معاونتهم، لم تنتقض الذمة؛ لأن ما ادعوه محتمل، فلا ينقض العهد مع الشبهة، وإن استعانوا بمستأمن، فحكمه حكم أهل الحرب إلا أن يقيم بينة على الإكراه.
فصل
وإن ولوا قاضيًا يستبيح دماء أهل العدل وأموالهم، لم ينفذ حكمه؛ لأن العدالة