فقال: لا يقتل مدبرهم، ولا يجاز على جريحهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يقسم فيئهم» ، وعن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال يوم الجمل: لا يذفف على جريح، ولا يهتك ستر، ولا يفتح باب، ومن أغلق بابًا أو بابه، فهو آمن. وعن أبي أمامة قال: شهدت صفين، فكانوا لا يجيزون على جريح، ولا يطلبون موليًا، ولا يسلبون قتيلًا، ولأن المقصود دفعهم، فإذا حصل لم يجز قتلهم كالصائل، وإن حضر معهم من لا يقاتل لم يجز قتله؛ لأن عليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: إياكم وصاحب البرنس، يعني محمد بن طلحة السجاد، وكان قد حضر طاعة لأبيه، ولم يقاتل، ولأن القصد كفهم، وهذا قد كف نفسه، ومن أسر منهم فدخل في الطاعة، خلي سبيله، وإن أبى ذلك وكان رجلًا جلدًا، حبس حتى تنقضي الحرب؛ لئلا يعين أصحابه على قتال أهل العدل، فإذا انقضت الحرب، خلي سبيله، وإن لم يكن من أهل القتال خلي سبيله ولم يحبس؛ لأنه لا يخشى الضرر من تخليته، وقال أبو الخطاب: فيه وجه آخر: أنه يحبس كسرًا لقلوب أصحابه، والأول أصح، وحكم النساء والصبيان حكم الرجال، إن قاتلوا، جاز دفعهم بالقتل، وإلا فلا، ومن قتل أحدًا ممن منع من قتله ضمنه؛ لأنه قتل معصومًا لم يؤمر بقتله، وهل يلزمه القصاص؟ فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه؛ لأنه قتل مكافئًا عمدًا.
والثاني: لا يجب؛ لأن في قتلهم اختلافًا، فكان ذلك شبهة دارئة للقصاص.
فصل
ولا يجوز قتالهم بالنار، ولا رميهم بالمنجنيق، وما يعم إتلافه؛ لأنه يعم من لا يجوز قتله، ومن يجوز. فإن دعت إليه ضرورة جاز، كما يجوز قتل الصائل، ولا يستعين على قتالهم بكافر، ولا بمن يستبيح قتلهم؛ لأن القصد كفهم لا قتلهم، وهؤلاء يقصدون قتلهم، فإن دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم، فقدر على كفهم عن فعل ما لا يجوز، جازت الاستعانة بهم، وإلا فلا، وإن اقتتلت طائفتان من أهل البغي، فقدر الإمام على قهرهما، لم يعن واحدة منهما؛ لأنهما على الخطأ، وإن لم يقدر، ضم إليه أقربهما إلى الحق، فإن استويا، اجتهد، في ضم إحداهما إلى نفسه، يقصد بذلك الاستعانة بها على الأخرى، فإذا قهرها، لم يقاتل المضمومة إليه حتى يدعوها إلى الطاعة؛ لأنها حصلت في أمانة بالاستعانة بها.
فصل
ولا يجوز أخذ مالهم لما تقدم، ولأن الإسلام عصم مالهم، وإنما أبيح قتالهم للرد إلى الطاعة، فبقي المال على العصمة، كمال قاطع الطريق، ولا يجوز الاستعانة