حكمهم حكم المرتدين؛ لما روى أبو سعيد: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال فيهم: «إنهم يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم يوم القيامة» رواه البخاري. وفي لفظ: «لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» ، فعلى هذا يجوز قتلهم ابتداء، وقتل أسيرهم، واتباع مدبرهم، ومن قدر عليه منهم استتيب كالمرتد، فإن تاب، وإلا قتل.

القسم الثالث: قوم من أهل الحق خرجوا على الإمام بتأويل سائغ، وراموا خلعه، ولهم منعة وشوكة، فهؤلاء بغاة، وواجب على الناس معونة إمامهم في قتالهم؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9] ، ولأن الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قاتلوا مانعي الزكاة، وقاتل علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أهل البصرة يوم الجمل، وأهل الشام بصفين، ولا يقاتلهم الإمام حتى يسألهم ما ينقمون منه، فإن اعتلوا بمظلمته أزالها، أو شبهة كشفها؛ لقول الله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] وفي هذا إصلاح، ولأن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - راسل أهل البصرة يوم الجمل قبل الوقعة، وأمر أصحابه ألا يبدءوهم بقتال، وقال: إن هذا يوم، من فلج فيه، فلج يوم القيامة.

وروى عبد الله بن شداد: أن عليا لما اعتزلته الحرورية، بعث إليهم عبد الله بن عباس، فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام، فرجع منهم أربعة آلاف، فإذا راسلهم فأبوا وعظهم. وخوفهم القتال، فإن أبوا قاتلهم، فإن استنظروه مدة، نظر في حالهم، فإن بان له أن قصدهم تعرف الحق، وكشف اللبس، والرجوع إلى الطاعة، أنظرهم؛ لأن في هذا إصلاحًا، وإن علم أن قصدهم الاجتماع على حربه، أو خديعته، عاجلهم لما في التأخير من الضرر، فإن أعطوه مالًا على إنظارهم أو رهنًا لم يقبل؛ لأنه لا يؤمن جعل ذلك طريقًا إلى قهره وقهر أهل العدل.

فصل

وإذا قوتلوا لم يتبع لهم مدبر، ولم يجز على جريح، ولم يقتل لهم أسير، ولم يغنم لهم مال، ولم يسب لهم ذرية؛ لما روي عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال له: «يا ابن أم عبد، ما حكم من بغى على أمتي؟ فقلت: الله ورسوله أعلم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015