قد عفوت عن حقي، فقال عمر: الله أكبر عتق القتيل قبل أن ... رواه أبو داود، ولما ذكرناه في المعنى. ثم إن عفا على مال، انتقل حق الجميع إلى الدية. وإن عفا مطلقًا. انتقل حق الباقين إلى الدية. كما يسقط حق أحد الشريكين، إذا أعتق شريكه إلى القيمة. وقد روى زيد بن وهب: أن رجلًا دخل على امرأته، فوجد عندها رجلًا، فقتلها، فاستعدى عليه إخوتها عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. فقال بعض إخوتها: قد تصدقت، فقضى لسائرهم بالدية.

فصل:

ويصح العفو، بلفظ العفو، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [البقرة: 178] . وبلفظ الصدقة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ} [المائدة: 45] . وبلفظ الإسقاط؛ لأنه إسقاط للحق، وبكل لفظ يؤدي معناه؛ لأن المقصود المعنى، فبأي لفظ حصل، ثبت حكمه كعقد البيع.

فصل:

واختلفت الرواية في موجب العمد. فعنه: موجبه، أحد شيئين. القصاص، أو الدية، لخبر أبي شريح؛ لأن له أن يختار أيهما شاء. فكان الواجب أحدهما، كالهدي والطعام في جزاء الصيد. وعنه: موجبه القصاص عينًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] . ولأنه بدل يجب حقًا لآدمي، فوجب معينًا كبدل ماله، فإن قلنا بهذا، فعفا عنه مطلقًا، سقط القصاص، ولم تجب الدية؛ لأنه لم يجب له غير القصاص وقد أسقطه بالعفو. وإن قلنا: موجبه أحد الشيئين، فعفا عن القصاص مطلقًا، وجبت الدية؛ لأن الواجب أحدهما، فإن ترك أحدهما، تعين الآخر. وإن اختار الدية، سقط القصاص، وثبت المال. وإن اختار القصاص، تعين، وقال القاضي: وله الرجوع، إلى المال؛ لأن القصاص أعلى، فكان له أن ينتقل إلى الأدنى، ولهذا قلنا: له المطالبة بالدية وإن كان القصاص واجبًا عينًا، ويحتمل أنه ليس له ذلك؛ لأنه تركها فلم يرجع إليها، كما لو عفا عنها وعن القصاص. ولو جنى عبد على حر جناية موجبة للقصاص، فاشتراه بأرشها، سقط القصاص؛ لأن شراءه بالأرش اختيار للمال، ثم إن كان أرشها مقدرًا بذهب، أو فضة، صح الشراء؛ لأنه ثمن معلوم. وإن كان إبلًا، لم يصح؛ لأن صفتها مجهولة، فلم يصح جعلها عوضًا، كما لو اشترى بها غير الجاني.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015