ولأنه إذا وجب حفظه وهو حمل، فحفظه وهو مولود أولى. وإن وجدت مرضعة راتبة، قتلت؛ لأنه يستغني بها عن أمه، وإن وجدت مرضعات غير رواتب، أو لبن بهيمة يسقي منه راتب، جاز قتلها؛ لأن له ما يقوم به. ويستحب للولي تأخيره إلى الفطام؛ لأن عليه ضررًا، في اختلاف اللبن عليه، وفي شرب لبن البهيمة، فإن ادعت الحمل، حبست حتى تتبين حالها؛ لأن صدقها محتمل. وللحمل أمارات خفية تعلمها من نفسها. وفيه وجه آخر، أنها ترى القوابل، فإن شهدن بحملها أخرت، وإلا قتلت؛ لأن الحق حال عليها، فلا يؤخر بدعواها من غير بينة، فإن أشكل على القوابل، أو لم يوجد من يعرف ذلك، أخرت حتى يتبين؛ لأننا إذا أسقطنا القصاص خوف الزيادة، فتأخيره أولى.

فصل:

ولا يجوز استيفاء القصاص في الطرف، إلا بعد الاندمال، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «طعن رجل رجلًا بقرن في رجله، فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: أقدني، قال: دعه حتى يبرأ فأعادها عليه مرتين أو ثلاثًا، والنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: دعه حتى يبرأ فأبى فأقاده منه، ثم عرج المستقيد، فجاء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: برأ صاحبي، وعرجت رجلي، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا حق لك فذلك حين نهى أن يستقيد أحد من جرح حتى يبرأ صاحبه» . رواه الدارقطني. ولأنه قد يسري إلى النفس، فيصير قتلًا، وقد يشاركه غيره في الجناية فينقص.

فصل:

وإذا اقتص في الطرف على الوجه الشرعي، فسرى، لم يجب ضمان السراية، سواء سرى إلى النفس، أو عضو آخر، لما روي أن عمر وعليًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قالا: من مات من حد، أو قصاص، لا دية له، الحق قتله. رواه سعيد في ((سننه)) ولأنه قطع مقدر مستحق، فلم تضمن سرايته، كقطع السارق. وإن تعدى في القطع، أو قطع بآلة كالة، أو مسمومة فسرى، ضمن السراية؛ لأنه سراية قطع غير مأذون فيه، أشبه سراية الجناية. وسراية الجناية مضمونة؛ لأنها سراية قطع مضمون. فإن اقتص في الطواف قبل الاندمال، ثم سرت الجناية، كانت سرايتها هدرًا، لخبر عمرو بن شعيب، ولأنه استعجل ما ليس له استعجاله، فبطل حقه، كقاتل موروثه. وإن سرى القطعان جميعًا، فهما هدر كذلك. وإن اقتص بعد الاندمال، ثم انتقض جرح الجناية، فسرى إلى النفس وجب القصاص به؛ لأنه اقتص بعد جواز الاقتصاص، فإن اختار الدية، فله دية إلا دية الطرف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015