المسمومة تفسد البدن، وربما منعت غسله. وإن طلب من له القصاص أن يتولى الاستيفاء، لم يمكن منه في الطرف؛ لأنه لا يؤمن أن يجني عليه بما لا يمكن تلافيه. وقال القاضي: ظاهر كلام أحمد، أنه يمكن منه؛ لأنه أحد نوعي القصاص، أشبه القصاص في النفس، وإن كان في النفس، وكان يكمل الاستيفاء بالقوة والمعرفة، مكن منه، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] . وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين، أن يأخذوا العقل، أو يقتلوا» . ولأن القصد من القصاص، التشفي، ودرك الغيظ، وتمكينه منه أبلغ في ذلك. فإن كان لجماعة فتشاحوا في المستوفى، أقرع بينهم؛ لأنه لا يجوز اجتماعهم على القتل؛ لأن فيه تعذيبًا للجاني، ولا مزية لأحدهم، فوجب التقديم بالقرعة. ولا يجوز لمن خرجت له القرعة الاستيفاء إلا بإذن شركائه؛ لأن الحق لهم، فلا يجوز استيفاؤه بغير إذنهم. وإن كان فيهم من يحسن، وباقيهم لا يحسنون أمروا بتوكيله. وإن لم يكن مستحق للقصاص يحسن الاستيفاء، أمر بالتوكيل. فإن لم يوجد من يتوكل بغير عوض، بذل العوض من بيت المال؛ لأنه من المصالح. فإن لم يمكن، بذل من مال الجاني؛ لأن الحق عليه، فكان أجر الإيفاء عليه، كأجر كيل الطعام على البائع، وإن قال الجاني: أنا أقتص لك من نفسي، لم يجب إلى ذلك؛ لأن من وجب عليه إيفاء حق، لم يجز أن يكون هو المستوفي، كالبائع.
فصل:
وإذا وجب القتل على حامل، لم تقتل حتى تضع، لما روى معاذ بن جبل: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا قتلت المرأة عمدًا، لم تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حاملًا. وحتى تكفل ولدها، وإن زنت، لم ترجم حتى تضع ما في بطنها، وحتى تكفل ولدها» . رواه ابن ماجه ولأن قتلها يفضي إلى قتل ولدها، ولا يجوز قتله. فإذا وضعت، لم تقتل حتى تسقيه اللبأ؛ لأنه لا يعيش إلا به. وإن لم يكن له من يرضعه، لم تقتل حتى ترضعه مدة الرضاع، لقوله - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «حتى تكفل ولدها»