المأخوذ في القصاص. فإن كانت دية الطرف كدية النفس، فليس له العفو على مال كذلك. وإن كان الجاني ذميًا قطع أنف مسلم، فاقتص منه بعد البرء، ثم سرى إلى نفس المسلم، فلوليه قتل الذمي، وهل له أن يعفو على نصف دية المسلم؟ فيه وجهان:
أحدهما: له ذلك؛ لأن دية أنف اليهودي، نصف دية المسلم، فيبقى له النصف.
والثاني: ليس له ذلك؛ لأنه استوفى بدل أنفه، أشبه ما لو كان الجاني مسلمًا.
فصل:
ولا يجوز الاقتصاص فيما دون النفس بالسيف، ولا يجوز إلا بحديدة ماضية تصلح لذلك، سواء كانت الجناية بمثلها أو بغيرها؛ لأنه لا يؤمن أن يهشم العظم، أو يتعدى إلى المحل بما يفضي إلى الزيادة، أو تلف النفس، وإن قلع عينه بأصبع، لم يجز الاستيفاء منه بالإصبع، كذلك.
فصل:
فأما النفس. فإن كان القتل بالسيف، لم يجز قتله إلا بالسيف؛ لأنه آلة القتل، وأوجاه، فإن ضربه مثل ضربته فلم يمت، كرر عليه حتى يموت؛ لأن قتله مستحق، ولا يمكن إلا بتكرار الضرب. وإن قتله بحجر، أو تغريق أو حبس حتى يموت، أو خنق ففيه روايتان:
إحداهما: يقتل بمثل ذلك، لقول الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] . ولأن «النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رضخ رأس يهودي رضخ رأس جارية بين حجرين» . متفق على معناه. وروي عنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: أنه قال: «من حرق حرقناه، ومن غرق غرقناه» . ولأن القصاص مشعر بالمماثلة، فيجب أن يعمل بمقتضاه.
والثانية: لا يقتل إلا بالسيف، في العنق، لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا قود إلا بالسيف» رواه ابن ماجه. ونهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن المثلة. وقال: «إذا قتلتم فأحسنوا القتلة» ولأنه زيادة تعذيب في القتل، فلم تجز المماثلة فيه، كما لو قتله بسيف كال.
وإن قتله بمحرم لعينه، كالسحر وتجريع الخمر، واللواط، قتل بالسيف، رواية واحدة؛ لأن ذلك محرم لعينه، فسقط، وبقي القتل، وإن قتله بسيف كال، لم يقتل بمثله؛ لأن المماثلة فيه لا تتحقق، وإن حرقه، فقال القاضي: فيه روايتان، كالتغريق،