والثانية: لا قصاص، لكن يحبس حتى يموت لما روى ابن عمر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا أمسك الرجل، الرجل، وقتله الآخر، يقتل الذي قتل، ويحبس الذي أمسك» . أخرجه الدارقطني. ولأنه حبسه إلى الموت، فيفعل به مثل فعله. وسواء حبسه بيديه، أو بجناية عليه، أو غير ذلك. وإن أمسكه لغير القتل فقتل، فلا ضمان على الممسك؛ لأنه لم يقتله، ولا قصد قتله.

فصل:

القسم التاسع: أن يتسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبًا، أربعة أنواع:

أحدها: أن يكره غيره على قتله، فيجب القصاص على المكره، والمكره جميعًا؛ لأن المكره تسبب إلى قتله بما يفضي إليه غالبًا، أشبه ما لو أنهشه حية، أو أسدًا، أو رماه بسهم. والمكره قتله ظلمًا، لاستبقاء نفسه، فلزمه القصاص، كما لو قتله في المجاعة ليأكله.

النوع الثاني: أن يأمر من لا يميز من المجانين والصبيان، أو عبدًا أعجميًا لا يعلم تحريم القتل بقتله، فيقتله، فعلى الآمر القصاص، دون المأمور؛ لأن المأمور صار كالآلة له، فأشبه الأسد والحية. وإن كان المأمور مميزًا فلا قود على الآمر؛ لأن المأمور له قصد صحيح فأشبه ما لو كان رجلًا عاقلًا. فإن كان العبد يعلم تحريم القتل، فالقصاص عليه؛ لأنه مباشر للقتل، مختار، عالم بتحريمه، فأشبه الحر، ويؤدب السيد، لتسببه إليه. وإن أمر السلطان رجلًا بقتل رجل بغير حق، ولم يعلم الحال، فقتله، فالقصاص على الآمر؛ لأن المأمور معذور في قتله، لكونه مأمورًا بطاعة السلطان في غير المعصية، والظاهر أنه لا يأمر إلا بحق. وإن علم أنه مظلوم فالقصاص عليه وحده؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» من ((المسند)) . فصار كالقاتل من غير أمر. وإن أمره غير السلطان بالقتل، فقتل، فالقصاص على القاتل وحده، علم أو جهل؛ لأنه لا تلزمه طاعته.

النوع الثالث: أن يشهد رجلان على رجل بما يوجب القتل، فقتل بغير حق، ثم رجعا عن الشهادة، وأقرا أنهما فعلا ذلك ليقتل، فعليهما القود، لما روى القاسم بن عبد الرحمن: أن رجلين شهدا عند علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - على رجل، أنه سرق، فقطعه، ثم رجعا عن الشهادة، فقال: لو أعلم أنكما تعمدتما، لقطعت أيديكما، وغرمهما دية يده. ولأنهما قتلاه بسبب يقتل غالبًا، أشبه المكره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015