فصل:
والاعتبار بحال وجوب الكفارة في أظهر الروايتين؛ لأنها تجب على وجه التطهير، فاعتبر فيها حال الوجوب، كالحد.
والثانية: الاعتبار بأغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى الأداء، فأي وقت قدر على العتق، لزمه؛ لأنه حق يجب في الذمة، بوجود المال، فاعتبر فيه أغلظ الأحوال، كالحج. فإن لم يقدر حتى شرع في الصيام، لم يلزمه الانتقال إلى العتق؛ لأنه وجد المبدل بعد الشروع في صوم البدل، فأشبه المتمتع يجد الهدي بعد الشروع في الصيام.
وإن أحب الانتقال إليه بعد ذلك أو قبله على الرواية الأولى، فله ذلك؛ لأنه الأصل، فيجزئه كسائر الأصول، إلا العبد إذا أعتق بعد وجوب الكفارة عليه، فليس له إلا الصوم؛ لأنه لم يكن يجزئه غيره عند الوجوب، فكذلك بعده.
فصل:
ولا يجزئ في الكفارات كلها إلا رقبة مؤمنة، لقول الله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] . نص على المؤمنة في كفارة القتل، وقسنا عليها سائر الكفارات؛ لأنها في معناها. وعنه: يجزئه في سائر الكفارات ذمية، لإطلاق الرقبة فيها.
فصل:
ولا يجزئ إلا رقبة سالمة من العيوب المضرة بالعمل ضرراً بيناً؛ لأن المقصود تمليك العبد منفعته، وتمكينه من التصرف، ولا يحصل هذا مع العيب المذكور، فلا يجزئ الأعمى؛ لأنه يعجز عن الأعمال التي يحتاج فيها إلى البصير، ولا الزمن، ولا مقطوع اليد أو الرجل؛ لأنه يعجز عن أعمال كثيرة، ولا مقطوع الإبهام أو السبابة أو الوسطى من اليد؛ لأن نفعها يبطل بهذا، ولا مقطوع الخنصر والبنصر في يد واحدة كذلك، وقطع أنملتين من أصبع كقطعها؛ لأن نفعها يذهب بذلك، ولا يمنع قطع أنملة واحدة؛ لأنها تصير كالإصبع القصيرة إلا الإبهام، فإنها أنملتان، فذهاب إحداهما كقطعها، لذهاب نفعها، وإن قطعت الخنصر من يد، والبنصر من أخرى، لم يمنع؛ لأن نفع اليد لا يبطل به. ولا يجزئ الأعرج عرجاً فاحشاً؛ لأنه يضر بالعمل، فهو كقطع الرجل، فإن كان عرجاً يسيراً، أجزأ؛ لأنه لا يضر ضرراً بيناً.
ولا يجزئ الأخرس الذي لا تفهم إشارته، فإن فهمت إشارته، فالمنصوص أن الأخرس لا يجزئ. وقال القاضي وأبو الخطاب: يجزئ، إلا أن يجتمع معه الصمم، فإنهما إذا اجتمعا أضرا ضرراً بيناً.