فصل:
ويجوز للرجل تفويض الطلاق إلى زوجته، لما روت عائشة قالت: «لما أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتخيير أزواجه، بدأ بي فقال: إني لمخبرك خبرا فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك، ثم قال: إن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب: 28] ، حتى بلغ: {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 29] . فقلت: في أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم فعل أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثل ما فعلت» . متفق عليه. وهو على ضربين:
أحدهما: تفويضه بلفظ صريح. فيقول: طلقي نفسك، فلها أن تطلق نفسها واحدة، ليس لها أكثر منها؛ لأن الأمر المطلق يتناول أقل ما يقع عليه الاسم، كما لو وكل فيه أجنبيا، إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك بلفظه أو نيته. نص عليه؛ لأنه نوى بكلامه ما يحتمله. والقول قوله في نيته؛ لأنه أعلم بها. ولها أن تطلق بلفظ الصريح والكناية مع النية لأن الجميع طلاق فيدخل في لفظه. ولها أن تطلق متى شاءت؛ لأنه توكيل في الطلاق مطلق، فأشبه توكيل الأجنبي. وقال القاضي: يتقيد بالمجلس قياسا على التخيير.
والثاني: تفويضه إليها بلفظ الكناية. وهو نوعان:
أحدهما: أن يقول: أمرك بيدك، فيكون لها أن تطلق نفسها ما شاءت، ومتى شاءت؛ لأنه نوع توكيل، بلفظ يقتضي العموم في جميع أمرها، فأشبه ما لو قال: طلقي نفسك ما شئت ومتى شئت، وقد روي عن علي في رجل جعل أمر امرأته بيدها. قال: هو لها حتى ينكل. وعن أحمد ما يدل على أنه إن نوى واحدة، فهي واحدة؛ لأنه نوع تخيير فرجع إلى نيته كالتخيير.
والثاني: أن يقول لها: اختاري، فليس لها أن تختار أكثر من واحدة، إلا أن يجعل إليها أكثر من ذلك بلفظه أو نيته، كما ذكرنا في قوله: طلقي نفسك. وليس لها أن تختار، إلا عقيب تخييره، قبل أن يقطعا ذلك بالأخذ في كلام غيره، أو قيام أحدهما عن مجلسه؛ لأن ذلك يروى عن عمر وعثمان وابن مسعود وجابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -،