ولأنه خيار تمليك فكان على الفور، كخيار القبول. وإن جعل إليها أكثر من ذلك بلفظه، أو نيته، أو قرينة، فهو على ما جعل إليها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعائشة: «فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك» وللزوج الرجوع فيما فوضه إليها قبل تطليقها؛ لأنه نوع تفويض، فملك الرجوع فيه، كتوكيل الأجنبي. وإن وطئها، كان رجوعا، لدلالته على رغبته فيها، ورجوعه عما جعل إليها.
فصل:
ولفظة الخيار، وأمرك بيدك، كناية في حق الزوج؛ لأنه ليس بصريح في إرادة الطلاق، فلم ينصرف إليه بغير نية. وإن نوى به إيقاع الطلاق في الحال، وقع؛ لأنه يصلح كناية عن الطلاق، فأشبه سائر كناياته. وإن نوى به التفويض، فطلقت نفسها بلفظ صريح، وقع من غير نية. وإن لم تختر شيئا، لم يقع بها شيء. وكذلك إن اختارت زوجها؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خير أزواجه فاخترنه، فلم يكن طلاقا. قالت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «خيرنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلم يكن طلاقا» . ولأنه تفويض للطلاق إليها، فلم يقع به بمجرده طلاق، كقوله: طلقي نفسك. وإن قالت: قبلت، فليس بشيء؛ لأن ذلك ينصرف إلى قبول التفويض، فهو كقبول التوكيل. وإن قالت: اخترت نفسي، أو أهلي، أو أبوي، أو الأزواج، أو ألا تدخل علي، ونحو هذا مما يحتمل إرادة الطلاق، فهو كناية يفتقر إلى النية؛ لأنه ليس بصريح، فاعتبرت النية فيه، كالكنايات. فإن نوت به الطلاق، كان طلاقا، وإلا فلا. ويقع به واحدة إلا أن ينوي الثلاث، إذا جعل إليها ثلاثا. وإن ملكها ثلاث تطليقات بلفظه، أو بنيته، فطلقت ثلاثا، وقع ثلاثا، وإن طلقت أقل منها، وقع؛ لأن من ملك ثلاثا، ملك واحدة كالزوج. وإن قال: اختاري فاختارت نفسها، ونويا ثلاثا، وقع الثلاث. وإن نوى أحدهما طلقة، والآخر أكثر منها، وقعت طلقة؛ لأن الطلاق يفتقر إلى تمليك الزوج وإيقاع المرأة، فالزائد لم يوجد فيه إلا أحدهما، فلم يقع.
فصل:
وإن قال لزوجته: وهبتك لنفسك، أو لأهلك، فهو كناية، وإن نوى به الإيقاع، وقع، وإن لم ينو الإيقاع في الحال، فهو كناية في حقهما يفتقر إلى قبولهم. والنية من الزوج ومنهم؛ لأنه ليس بصريح. فإن نويا الطلاق دون العدد، وقعت واحدة، يملك