(وأما الدليلُ فشبهةٌ في الأصل) أي القياسُ دليلٌ فيه شبهةٌ في أصله، وبهذا القيد يحترز عن خبر الواحد، فإن الشبهةَ فيه في طريقه لا في أصله.
وأما القياسُ فالشبهةُ في أصله، وذلك لأن وصفَ القياس يثبت باجتهاد المجتهد، وهو يحمل الخطأَ في أصله؛ لمِا أن ذلك الوصفَ غيرُ منصوص عليه لا بالعبارة ولا بالإشارة ولا بالدلالة ولا بالاقتضاء فكان ثابتًا بالرأي ضرورةً، فلا يجوز إثباتُ الحكم وهو حقُ الله تعالى بما فيه شبهةً في أصله مع كمال قدرة صاحب الحق بخلاف خبر الواحد، فإن الشبهة فيه في طريق الاتصال برسول الله عليه السلام فلو تفحصت وتتبعت ناقلًا عن ناقلٍ إلى أن بلغَ إلى رسول الله عليه السلام، كان ذلك حجةً قاطعةً؛ لأن المسموعَ من في رسول الله عليه السلام حجةٌ قاطعةٌ، ولا كذلك القياس وقد ذكرناه في أقسام السنن.
(ولا يُطاع اللهُ تعالى بالعقول والآراء)؛ لأن الطاعةَ إنما تقع عند العلم بكيفيات الفعل وكمياته، والعقلُ يقف على جُمل المحاسن والمساوي بأن شكرَ المُنْعِم حسنٌ وكفره قبيحٌ، ولا يقف على كيفيات الشكر وكمياته، يعني لا يقف بما يودَّى وبأي وصف يودَّى فلا تقعُ الطاعة بالعقل نفسه خصوصًا ما إذا كان الحكمُ في المقدرّات كإعداد الركعات ومقاديرِ الزكوات